صفحة جزء
فصل في الدليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ بعث كان رسولا حقيقة وهو الآن في قبره رسول حقيقة

والدليل على ذلك قول الله عز وجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فسماه رسولا قبل أن يبلغ الرسالة، والله تعالى لا يقول المجاز.

120 - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كنت رسولا وآدم بين الروح والجسد ".

ويؤيد هذا قوله عز وجل حكاية عن عيسى عليه السلام إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فسماه الله تعالى رسولا من قبل أن وجد، وقبل أن ولد، وقبل أن أوحي إليه، وقبل أن يبلغ الرسالة. وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الله وفي علم الله قبل أن وجد حقيقة، وكانت الرسالة موجودة معه حقيقة كان رسولا حاملا للرسالة، وما لم يخرج عن عهدة الرسالة بتبليغها بتمامها لم يزل عنه اسم الرسالة.

والدليل على ذلك قوله عز وجل: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا [ ص: 170 ] فقوله: يتلو في موضع الحال، أي تاليا عليكم الرسالة، أي في حال تلاوة الرسالة وتبليغها.

والدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - رسول بعد وفاته حقيقة وهو الآن في قبره رسول حقيقة، مبلغ للرسالة كما كان في حياته قول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا وهذا خطاب لكافة الناس من كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن جاء بعد وفاته، ويجيء إلى أن تقوم الساعة، وإذا كان رسولا إلى من كان في عصره حقيقة مبلغا الرسالة إليهم خطابا وكتابا، فكذلك يكون رسولا إلى من جاء ويجيء بعد وفاته مبلغا إليهم الرسالة إخبارا، وكتابا، وإعلاما، لأن بعض الخطاب لا يكون حقيقة، وبعضه مجازا فدل أن الخطاب من الله تعالى لكافة الناس إلى يوم المعاد حقيقة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من لدن بعثه الله إلى يوم القيامة رسول حقيقة .

والدليل عليه قول المسلمين في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذا القول بمجموعه ركن من أركان الدين، فلا يجوز ألا أن يكون كله حقيقة لا مجاز فيه، لأنه لا يجوز أن نقول ونعتقد: وأشهد أن محمدا كان رسول الله يوما من الأيام ودهرا من الدهر، وهو ليس برسول الله حقيقة، وإذا لم يجز أن يكون شهادة أن لا إله إلا الله مجازا بوجه، فكذلك شهادة أن محمدا [ ص: 171 ] رسول الله، وكذلك الشهادة في الأذان والإقامة يجب أن تكون حقيقة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ويدل عليه أيضا أن أداء الرسالة يكون مرة بالكلام والخطاب، ومرة بالإخبار والكتاب، يوصله الرسول إلى من أرسل إليه من غير أن يتكلم بها أو يخاطب المرسل إليه بالرسالة، كما يفعله البريد والفيج، ومثال ذلك من أرسل رسولا بكتاب إلى قوم، وأمره أن يخاطب من لقي منهم بما في الكتاب من الرسالة، ويمكن من لم يلق منهم من الكتاب، والوقوف على الرسالة التي فيه فهذا الرسول في هاتين الحالتين رسول حقيقة، مؤد للرسالة بعينها حقيقة ولا يجوز أن يقال إنه رسول إليهم وقت أداء تلك الرسالة خطابا، وليس برسول إليهم وقت تمكينهم من الوقوف عليها، لأن محل كتابه في تبليغ الرسالة محل خطابه، فصار الموت والحياة سواء في تبليغ الرسالة حقيقة. فدل هذا على أنه - صلى الله عليه وسلم - رسول الله حقيقة في حياته وبعد وفاته إلى أن تقوم الساعة، ويقرأ كتاب رسالته .

التالي السابق


الخدمات العلمية