صفحة جزء
فصل

156 - قال ابن عباس - رضي الله عنه - قرآنا عربيا غير ذي عوج غير مخلوق.

واحتجت المبتدعة بقوله تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ، وليس لهم في ذلك حجة، لأن معنى قوله " محدث " أي: محدث التنزيل تكلم الله به في الأزل ، فلما بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه. ولأنه قال: ما يأتيهم من ذكر ومن للتبعيض، وهذا يدل على أن ثم ذكرا قديما وعندهم ليس ثم ذكر قديم. ولأن الله تعالى قال: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فأخبر تعالى أنه كون الأشياء بكن، فلو كانت كن مخلوقة، لاحتاجت إلى كن أخرى يخلق بها، والأخرى يخلق بها، والأخرى إلى أخرى إلى ما لا نهاية له فيفضي إلى قدم المخلوقات.

157 - وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: " ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت كلام الله ".

[ ص: 199 ] والدليل على أن من أنكر أن القرآن نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قوله تعالى: إنا أنزلناه قرآنا عربيا .

158 - وروي أنه أنزل إلى بيت العزة، ونزل به جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما في ثلاث وعشرين سنة.

قال العلماء: لم يبعث الله عز وجل نبيا إلا ومعه معجزة تدل على صدق قوله من جنس ما قومه عليه، فعيسى - صلى الله عليه وسلم - بعث في زمان الحكماء والأطباء، وكانت معجزته إبراء الأكمه، والأبرص وإحياء الموتى. فلما عجزوا عن هذه الحكمة مع كونهم حكماء، استدلوا على أنه رسول الله، وكذلك موسى - صلى الله عليه وسلم - بعث في زمان السحرة والكهنة، وكانت العصا معجزته، ابتلعت حبالهم وعصيهم، ولم تطل، ولم تقصر، ولم يكبر بطنها. فلما عجزوا عن ذلك مع معرفتهم بالسحر استدلوا على أنه رسول الله.

ونبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث في زمان الفصحاء والبلغاء، الذين يقدرون على النظم والنثر، وأنزل عليه القرآن، وقال لهم: ائتوا بمثله، فلما [ ص: 200 ] عجزوا عن الإتيان بمثله مع اقتدارهم على الكلام، استدلوا على أنه كلام الله، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل من عند الله. والقرآن معجزته السابقة الأولة والنبوة ثبتت بالمعجزة الأولة، والمعجزة الثانية والثالثة، كانت تأكيدا للأولة.

وروي عن عطية بن قيس أنه قال: ما تكلم العباد بكلام أحب إلى الله تعالى من كلامه، ولا رفع إليه كلام أحب إليه من كلامه. وقال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب .

159 - وروي: "القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود. "

التالي السابق


الخدمات العلمية