صفحة جزء
200 - وبعث إلى أهل خيبر في أمر القتيل، واحدا يقول لهم: إما أن تدوا أو تؤذنوا بحرب من الله ورسوله.

[ ص: 220 ] 201 - وبعث إلى قريظة أبا لبابة بن عبد المنذر يستزلهم على حكمه.

202 - وجاء أهل قباء واحد وهم في مسجدهم يصلون فأخبرهم بصرف القبلة إلى المسجد الحرام، فانصرفوا إليه في صلاتهم. واكتفوا بقوله، ولا بد في مثل هذا النوع من وقوع العلم به، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - .

203 - يرسل الطلائع والجواسيس في ديار الكفر. ويقتصر على الواحد في ذلك، ويقبل قوله إذا رجع، وربما أقدم عليهم بالقتل والنهب بقوله وحده. ومن تدبر أمور النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته لم يخف عليه ما ذكرنا. وما يرد هذا إلا معاند مكابر، ولو أنك وضعت في قلبك أنك سمعت الصديق ، أو الفاروق أو غيرهما من وجوه الصحابة - رضي الله عنهم - يروي لك حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر من الاعتقاد مثل جواز الرؤية على الله تعالى أو إثبات القدر، أو غير ذلك لوجدت قلبك مطمئنا إلى قوله، لا يتداخلك شك في صدقه وثبوت قوله.

وفي زماننا ترى الرجل يسمع من أستاذه الذي يختلف إليه، ويعتقد فيه التقدمة والصدق، أنه سمع أستاذه يخبر عن شيء من عقيدته [ ص: 221 ] الذي يريد أن يلقى الله به، ويرى نجاته فيه فيحصل للسامع علم بمذهب من نقل عنه أستاذه بحيث لا يختلجه شبهة، ولا يعتريه شك.

وكذلك في كثير من الأخبار التي قضيتها العلم يوجد بين الناس، فيحصل لهم العلم بذلك الخبر، ومن رجع إلى نفسه علم ذلك .

واعلم أن الخبر، وإن كان يحتمل الصدق والكذب، والظن والتجوز فيه مدخل، لكن هذا الذي قلناه لا يناله أحد إلا أن يكون معظم أوقاته وأيامه مشتغلا بعلم الحديث، والبحث عن سيرة النقلة والرواة، ليقف على رسوخهم في هذا العلم، وكنه معرفتهم به، وصدق ورعهم في أحوالهم وأقوالهم، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل، وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر، والبحث عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها.

ولقد كانوا رحمهم الله وأنزل رضوانه عليهم، بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحدا في كلمة يتقولها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك، وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم وأدوا على ما أدي إليهم، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن بما يجل عن الوصف، ويقصر دونه الذكر.

وإذا وقف المرء على هذا من شأنهم، وعرف حالهم، وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم، ظهر له العلم فيما نقلوه، ورووه، ولم [ ص: 222 ] يحتج إلى شيء من هذه التي قلناها، والله ولي التوفيق والمعونة.

والذي يزيد ما قلناه إيضاحا:



204 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال حين سئل عن الفرقة الناجية قال: " ما أنا عليه وأصحابي ".

يعني من كان على ما أنا عليه وأصحابي. فلا بد من تعرف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس طريق معرفته إلا النقل فيجب الرجوع إلى ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -.

205 - " لا تنازعوا الأمر أهله ".

فكما يرجع في معرفة مذاهب الفقهاء الذين صاروا قدوة في هذه الأمة إلى أهل الفقه، ويرجع في معرفة اللغة إلى أهل اللغة، ويرجع في معرفة النحو إلى أهل النحو، فكذلك يجب أن يرجع في معرفة ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى أهل النقل والرواية، لأنهم عنوا بهذا الشأن، واستغلوا بحفظه والتفحص عنه ونقله، ولولاهم [ ص: 223 ] لا ندرس علم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقف أحد على سنته وطريقته.

التالي السابق


الخدمات العلمية