صفحة جزء
باب التقوى قال الله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال: أخبرنا محمد بن الفضل بن جابر قال: حدثنا عبد الأعلى النرسي قال: حدثنا يعقوب القمي عن ليث عن مجاهد، عن أبي سعيد الخدري قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله أوصني.

فقال: عليك بتقوى الله فإنه جماع كل خير، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية المسلم، وعليك بذكر الله فإنه نور لك "


وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: أخبرنا عباس بن الفضل الأسفاطي قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو هرمز نافع بن هرمز قال: سمعت أنسا يقول: قيل: يا نبي الله من آل محمد؟ قال: " كل تقي".

فالتقوى جماع الخيرات وحقيقة الاتقاء التحرز بطاعة الله عن عقوبته يقال: اتقى فلان بترسه، وأصل التقوى اتقاء الشرك ثم بعده اتقاء المعاصي والسيئات ثم بعده اتقاء الشبهات ثم تدع بعده الفضلات كذلك.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول: سمعته يقول: [ ص: 228 ]

ولكل قسم من ذلك باب وجاء في تفسير قوله عز وجل: اتقوا الله حق تقاته أن معناه أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول: سمعت أحمد بن عاصم يقول: سمعت سهل بن عبد الله يقول: لا معين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا زاد إلا التقوى ولا عمل إلا الصبر عليه وسمعته يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الكتاني يقول: قسمت الدنيا على البلوى وقسمت الآخرة على التقوى.

سمعته يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الجريري يقول: من لم يحكم بينه وبين الله التقوى والمراقبة لم يصل إلى الكشف والمشاهدة.

وقال النصراباذي: التقوى أن يتقي العبد ما سوى الله عز وجل.

وقال سهل من أراد أن تصح له التقوى فليترك الذنوب كلها.

وقال النصراباذي: من لزم التقوى اشتاق إلى مفارقة الدنيا، لأن الله سبحانه يقول: وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون وقال بعضهم.

من تحقق من التقوى هون الله على قلبه الإعراض عن الدنيا.

وقال أبو عبد الله الروذباري: التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله. [ ص: 229 ]

وقال ذو النون المصري: التقي من لا يدنس ظاهره بالمعارضات ولا باطنه بالعلالات ويكون واقفا مع الله موقف الاتفاق.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: للتقوى ظاهر وباطن فظاهره محافظة الحدود وباطنه النية والإخلاص. وقال ذو النون.


ولا عيش إلا مع رجال قلوبهم تحن إلى التقوى وترتاح للذكر     سكون إلى روح اليقين وطيبه
كما سكن الطفل الرضيع إلى الحجر

.

وقيل: يستدل على تقوى الرجل بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر على ما قد فات.

وقال طلق بن حبيب: التقوى عمل بطاعة الله على نور من الله مخافة عقاب الله.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمدا الفراء يحكي عن أبي حفص أنه قال: التقوى بالحلال المحض لا غير.

وسمعته يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا الحسين الزنجاني يقول: من كان رأس ماله التقوى كلت الألسن عن وصف ربحه.

وقال الواسطي: التقوى أن يتقى من تقواه يعني من رؤية تقواه. والمتقي مثل ابن سيرين اشترى أربعين حبا سمنا فأخرج غلامه فأرة من حب فسأله من أي حب أخرجتها فقال: لا أدري فصبها كلها على الأرض. ومثل ابن يزيد اشترى بهمذان حب القرطم ففضل منه شيء فلما رجع إلى بسطام رأى فيه نملتين فرجع إلى همذان فوضع النملتين. [ ص: 230 ]

ويحكى أن أبا حنيفة كان لا يجلس في ظل شجرة غريمه. ويقول في الخبر كل قرض جر نفعا فهو ربا وقيل: إن أبا يزيد غسل ثوبه في الصحراء مع صاحب له فقال صاحبه: تعلق الثوب في جدار الكرم فقال: لا لا تغرز الوتد في جدار الناس فقال: نعلقه في الشجر؟ فقال: لا إنه يكسر الأغصان فقال: نبسطه على الإذخر؟ فقال: لا إنه علف الدواب لا نستره عنها، فولى ظهره إلى الشمس والقميص على ظهره حتى جف جانب ثم قلبه حتى جف الجانب الآخر.

وقيل: إن أبا يزيد دخل يوما الجامع فغرز عصاه في الأرض فسقطت ووقعت على عصا شيخ بجنبه ركز عصاه في الأرض فألقتها فانحنى الشيخ وأخذ عصاه فمضى أبو يزيد إلى بيت الشيخ واستحله وقال: كان السبب في انحنائك تفريطي في غرز عصاي حيث احتجت إلى أن تنحني.

ورؤي عتبة الغلام بمكان يتصبب عرقا في الشتاء فقيل له في ذلك فقال: إنه مكان عصيت الله فيه فسئل عنه فقال: كشطت من هذا الجدار قطعة طين غسل بها ضيف لي يده ولم أستحل من صاحبه.

وقال إبراهيم بن أدهم بت ليلة تحت الصخرة ببيت المقدس فلما كان بعض الليل نزل ملكان فقال أحدهما لصاحبه: من ههنا؟ فقال الآخر: إبراهيم بن أدهم فقال: ذاك الذي حط الله درجة من درجاته؟ فقال: لم؟ قال: لأنه اشترى بالبصرة التمر فوقعت تمرة على تمره من تمر البقال فلم يردها على صاحبها قال إبراهيم: فمضيت إلى البصرة واشتريت التمر من ذلك الرجل وأوقعت تمرة على تمره ورجعت إلى بيت المقدس وبت في الصخرة فلما كان بعض الليل إذ أنا بملكين نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه: من ههنا؟ [ ص: 231 ] فقال الأخير: إبراهيم بن أدهم فقال: ذاك الذي رد الله مكانه ورفعت درجته.

وقيل: التقوى على وجوه للعامة تقوى الشرك وللخاصة تقوى المعاصي وللأولياء تقوى التوسل بالأفعال وللأنبياء تقوى نسبة الأفعال إذ تقواهم منه إليه.

وعن أمير المؤمنين علي رضى الله عنه قال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء وسادة الناس في الآخرة الأتقياء.

أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: أخبرنا أبو الحسين البصري قال: أخبرنا بشر بن موسى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من نظر إلى محاسن امرأة فغض بصره في أول مرة أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه".

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا العباس محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: كان الجنيد جالسا مع رويم، والجريري، وابن عطاء فقال الجنيد: [ ص: 232 ]

ما نجا من نجا إلا بصدق اللجا قال الله تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وقال رويم: ما نجا من نجا إلا بصدق التقوى قال الله تعالى: وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم الآية وقال الجريري ما نجا من نجا إلا بمراعاة الوفاء قال الله تعالى: الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق : وقال ابن عطاء: ما نجا من نجا إلا بتحقيق الحياء قال الله تعالى: ألم يعلم بأن الله يرى وقال الأستاذ الإمام ما نجا من نجا إلا بالحكم والقضاء قال الله تعالى: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية وقال أيضا: ما نجا من نجا إلا بما سبق له من الاجتباء قال الله تعالى: واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم .

[ ص: 233 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية