صفحة جزء
ومنهم أبو سليمان داود بن نصير الطائي وكان كبير الشأن.

أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله ، قال: أخبرنا أبو عمر بن مطر ، قال: حدثنا محمد بن المسيب ، قال: حدثنا ابن خبيق ، قال: قال يوسف بن سباط: ورث داود الطائي عشرين دينارا فأكلها في عشرين سنة.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول : كان سبب زهد داود الطائي أنه كان يمر ببغداد فمر يوما فنحاه المطرقون بين يدي حميد الطوسي فالتفت داود فرأى حميدا ، فقال: داود أف لدنيا سبقك بها حميد ولزم البيت وأخذ في الجهد والعبادة ، وسمعت ببغداد بعض الفقراء ، يقول: إن سبب زهده أنه سمع نائحة تنوح ، وتقول:


بأي خديك تبدى البلى وأي عينيك إذن سالا



وقيل: كان سبب زهده أنه كان يجالس أبا حنيفة رضي الله عنه ، فقال له أبو حنيفة يوما: يا أبا سليمان ، أما الأداة فقد أحكمناها ، فقال له داود: فأي شيء بقي؟ فقال: العمل به.

قال داود: فنازعتني نفسي إلى العزلة فقلت لنفسي حتى تجالسهم ولا تتكلم في مسألة قال: فجالستهم سنة لا أتكلم في مسألة ، وكانت المسألة تمر بي ، وأنا إلى الكلام فيها أشد نزاعا من العطشان على الماء البارد ولا أتكلم به، [ ص: 54 ] ثم صار أمره إلى ما صار ، وقيل: حجم جنيد الحجام داود الطائي ، فأعطاه دينارا ، فقيل له: هذا إسراف ، فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له.

وكان يقول بالليل: إلهي ، همك عطل علي الهموم الدنيوية وحال بيني وبين الرقاد.

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي ، يقول: حدثنا محمد بن يوسف ، قال: حدثنا سعيد بن عمرو ، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي ، قال: حدثنا إسماعيل بن زياد الطائي ، قال: قالت داية داود الطائي له: أما تشتهي الخبز؟ فقال: بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.

ولما توفي داود رآه بعض الصالحين في المنام وهو يعدو فقال له: ما لك؟ فقال: الساعة تخلصت من السجن فاستيقظ الرجل من منامه ، فارتفع الصياح بقول الناس مات داود الطائي.

وقال له رجل: أوصني ، فقال: عسكر الموت ينتظرونك ، ودخل بعضهم عليه ، فرأى جرة ماء انبسطت عليها الشمس ، فقال له: ألا تحولها إلى الظل ، فقال: حين وضعتها لم يكن شمس ، وأنا أستحي أن يراني الله أمشي لما فيه حظ نفسي.

ودخل عليه بعضهم فجعل ينظر إليه ، فقال: أما علمت أنهم كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.

أخبرنا عن عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، قال: حدثنا قاسم بن أحمد ، قال: سمعت ميمونا الغزالي ، قال: قال أبو الربيع الواسطي: قلت لداود الطائي: أوصني.

قال: صم عن الدنيا ، واجعل فطرك الموت ، وفر من الناس كفرارك من السبع. [ ص: 55 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية