صفحة جزء
باب التوكل

قال الله عز وجل: ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال: وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقال: وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين .

أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد الأصبهاني، قال: حدثنا يونس بن حبيب بن عبد القاهر، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: "أريت الأمم بالموسم فرأيت أمتي قد ملؤوا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم وهيئتهم، فقيل لي: أرضيت.

فقلت: نعم. قال: ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن الأسدي، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعله منهم، فقام آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة"


سمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: حدثني أبو بكر الوجيهي قال: قال أبو علي الروذباري قلت لعمرو بن سنان: احك لي عن سهل بن عبد الله حكاية فقال: إنه قال: علامة المتوكل ثلاث لا يسأل ولا يرد ولا يحبس.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا عبد الله الشيرازي يقول: سمعت أبا موسى الديبلي يقول: قيل لأبي يزيد: ما التوكل؟ [ ص: 299 ] فقال لي: ما تقول أنت؟ قال قلت: إن أصحابنا يقولون لو أن السباع والأفاعي عن يمينك ويسارك ما تحرك لذلك سرك فقال أبو يزيد: نعم هذا قريب ولكن لو أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يعذبون ثم وقع لك تمييز عليهما خرجت من جملة التوكل.

وقال سهل بن عبد الله: أول مقام في التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عز وجل كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف شاء لا يكون له حركة ولا تدبير.

وقال حمدون: التوكل هو الاعتصام بالله تعالى.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البلخي يقول: سمعت محمد بن حامد يقول: سمعت أحمد بن خضرويه يقول: قال رجل لحاتم الأصم من أين تأكل؟ فقال: ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون .

واعلم أن التوكل محله القلب والحركة بالظاهر لا تنافي التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى وإن تعسر شيء فبتقديره وإن اتفق شيء فبتيسيره.

أخبرنا علي بن عبدان، قال: حدثنا أحمد بن عبيد البصري قال: حدثنا غيلان بن عبد الصمد، قال: حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري، قال: حدثنا خالد بن يحيى، قال: حدثني عمي المغيرة بن أبي قرة، عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل على ناقة له، فقال: يا رسول الله ، أدعها وأتوكل؟ فقال: اعقلها وتوكل

وقال إبراهيم الخواص من صح توكله في نفسه صح توكله في غيره. وقال بشر الحافي يقول أحدهم توكلت على الله تعالى يكذب على الله تعالى لو توكل على الله تعالى لرضي بما يفعل الله تعالى به.

وسئل يحيى بن معاذ: متى يكون الرجل متوكلا فقال: إذا رضي بالله تعالى وكيلا.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن علي بن الحسين يقول: سمعت عبد الله بن محمد الصامت يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: [ ص: 300 ]

بينما أنا أسير في البادية وإذا بهاتف يهتف فالتفت إليه فإذا أعرابي يسير فقال لي: يا إبراهيم التوكل عندنا أقم عندنا حتى يصح توكلك ألم تعلم أن رجاءك لدخول بلد فيه أطعمة يحملك؟ اقطع رجاءك عن البلدان وتوكل.

وسمعته يقول: سمعت محمد بن أحمد الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء وسئل عن حقيقة التوكل فقال: أن لا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: شرط التوكل ما قاله أبو تراب النخشبي وهو طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية فإن أعطي شكر وإن منع صبر وكما قال ذو النون التوكل ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوة وإنما يقوى العبد على التوكل إذا علم أن الله سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: سمعت أحمد بن محمد القرمسيني يقول: سمعت الكتاني يقول: سمعت أبا جعفر بن الفرج يقول: رأيت رجلا يعرف بجمل عائشة من الشطار يضرب بالسياط فقلت له: أي وقت يكون ألم الضرب عليكم أسهل؟ فقال: إذا كان من ضربنا لأجله يرانا.

وسمعته يقول: سمعت عبد الله بن محمد يقول: قال الحسين بن منصور لإبراهيم الخواص ماذا صنعت في هذه الأسفار وقطع هذه المفاوز؟ قال: بقيت في التوكل أصحح نفسي عليه فقال: الحسين أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد؟ سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: التوكل ما قاله أبو بكر الدقاق وهو رد العيش إلى يوم واحد وإسقاط هم غد ، قال: وهو كما قال سهل بن عبد الله: التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد. [ ص: 301 ]

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن جعفر يقول: سمعت أبا بكر البرذعي يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: التوكل على الله تعالى بكمال الحقيقة ما وقع لإبراهيم عليه السلام في الوقت الذي قال لجبريل عليه السلام: أما إليك فلا لأنه غابت نفسه بالله تعالى فلم ير مع الله غير الله عز وجل.

وسمعته يقول: سمعت سعيد بن أحمد بن محمد يقول: سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول: سمعت سعيد بن عثمان الخياط يقول: سمعت ذا النون المصري وسأله رجل فقال: ما التوكل؟ فقال: خلع الأرباب وقطع الأسباب. فقال السائل: زدني. فقال: إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية.

وسمعته يقول: سمعت عبد الله بن محمد المعلم يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: سمعت حمدون القصار وسئل عن التوكل فقال: إن كان لك عشرة آلاف درهم وعليك دانق دين لم تأمن أن تموت ويبقى ذلك في عنقك ولو كان عليك عشرة آلاف درهم دين من غير أن تترك لها وفاء لا تيأس من الله تعالى أن يقضيه عنك.

وسئل أبو عبد الله القرشي عن التوكل فقال: التعلق بالله تعالى في كل حال فقال السائل: زدني قال: ترك كل سبب يوصل إلى سبب حتى يكون الحق هو المتولي لذلك. وقال سهل بن عبد الله التوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والكسب سنته فمن بقي على حاله فلا يتركن سنته. وقال أبو سعيد الخراز: التوكل اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب وقيل: التوكل أن يستوي عندك الإكثار والتقلل ، [ ص: 302 ] وقال ابن مسروق: التوكل الاستسلام لجيران القضاء والأحكام سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عثمان الحيري يقول: التوكل الاكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه وسمعته يقول: سمعت محمد بن محمد بن غالب يحكي عن الحسين بن منصور قال: المتوكل المحق لا يأكل وفي البلد من هو أحق به منه وسمعته يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت منصور بن أحمد الحريري يقول: حكى لنا ابن أبي شيخ قال: سمعت عمر بن سنان يقول: اجتاز بنا إبراهيم الخواص، فقلنا له: حدثنا بأعجب ما رأيته في أسفارك فقال: لقيني الخضر عليه السلام فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي توكلي بسكوني إليه ففارقته.

وسئل سهل عن التوكل فقال: قلب عاش مع الله تعالى بلا علاقة.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: التوكل ثلاث درجات التوكل ثم التسليم ثم التفويض فالمتوكل يسكن إلى وعده وصاحب التسليم يكتفي بعلمه وصاحب التفويض يرضى بحكمه.

وسمعته يقول: التوكل بداية والتسليم واسطة والتفويض نهاية.

وسئل الدقاق عن التوكل فقال: الأكل بلا طمع. وقال يحيى بن معاذ: لبس الصوف حانوت والكلام في الزهد حرفة وصحبة القوافل تعرض وهذه كلها علاقات.

وجاء رجل إلى الشبلي يشكو إليه كثرة العيال فقال: ارجع إلى بيتك فمن ليس رزقه على الله فاطرده عنك. [ ص: 303 ]

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: قرأت على محمد بن الحسين قال: سهل بن عبد الله من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان. وسمعته يقول: سمعت أحمد بن علي بن جعفر يقول: سمعت جعفرا الخلدي يقول: قال إبراهيم الخواص: كنت في طريق مكة فرأيت شخصا وحشيا فقلت: جني أو إنسي فقال: جني فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى مكة فقلت: بلا زاد؟ فقال: نعم فينا أيضا من يسافر على التوكل فقلت إيش التوكل؟ فقال: الأخذ من الله تعالى.

سمعته يقول: سمعت أبا العباس البغدادي يقول: سمعت الفرغاني يقول كان إبراهيم الخواص مجردا في التوكل يدقق فيه وكان لا تفارقه إبرة وخيوط وركوة ومقراض فقيل له يا أبا إسحاق لم تحمل هذا وأنت تمتنع من كل شيء فقال: مثل هذا لا ينقض التوكل، لأن لله تعالى علينا فرائض والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد، فربما يتخرق ثوبه فإن لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته وإذا لم يكن معه ركوة تفسد عليه طهارته فإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته.

وسمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول التوكل صفة المؤمنين والتسليم صفة الأولياء والتفويض صفة الموحدين فالتوكل صفة العوام والتسليم صفة الخواص والتفويض صفة خواص الخواص.

وسمعته يقول: التوكل صفة الأنبياء والتسليم صفة إبراهيم عليه السلام والتفويض صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا العباس البغدادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: سمعت أبا جعفر الحداد يقول مكثت بضع عشرة سنة أعتقد التوكل وأنا أعمل في السوق آخذ كل يوم أجرتي ولا أنتفع منها بشربة ماء ولا بدخلة حمام وكنت أجئ بها إلى الفقراء في الشونيزية وأكون على حالي. [ ص: 304 ] وسمعته يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت الخواص يقول: سمعت الحسن أخا سنان يقول: حججت أربع عشرة حجة حافيا على التوكل فكان يدخل في رجلي الشوك فأذكر أني اعتقدت على نفسي التوكل فأحكها في الأرض وأمشي.

وسمعته يقول: سمعت محمد بن عبد الله الواعظ يقول: سمعت خيرا النساج يقول: سمعت أبا حمزة يقول إني لأستحي من الله تعالى أن أدخل البادية وأنا شبعان وقد اعتقدت التوكل لئلا يكون سعيي على الشبع زادا أتزود به.

وسئل حمدون عن التوكل فقال: تلك درجة لم أبلغها بعد وكيف يتكلم في التوكل من لم يصح له حال الإيمان.

وقيل: المتوكل كالطفل لا يعرف شيئا يأوي إليه إلا ثدي أمه كذلك المتوكل لا يهتدي إلا إلى ربه تعالى. وعن بعضهم قال: كنت في البادية فتقدمت القافلة فرأيت قدامي واحدا فتسارعت حتى أدركته فإذا هي امرأة بيدها عكاز تمشي على التؤدة فظننت أنها أعيت فأدخلت يدي في جيبي فأخرجت عشرين درهما فقلت خذيها وامكثي حتى تلحقك القافلة فتكتري بها ثم ائتني الليلة حتى أصلح أمرك فقالت بيدها هكذا في الهواء فإذا في كفها دنانير قالت: أنت أخذت الدراهم من الجيب وأنا أخذت الدنانير من الغيب.

ورأى أبو سليمان الداراني رجلا بمكة ، شرفها الله تعالى، لا يتناول شيئا إلا شربة من ماء زمزم فمضى عليه أيام فقال أبو سليمان يوما: أرأيت لو غارت زمزم إيش كنت تشرب؟ فقام وقبل رأسه وقال جزاك الله تعالى خيرا حيث أرشدتني فإني كنت أعبد زمزم منذ أيام ومضى.

وقال إبراهيم الخواص رأيت في طريق الشام شابا حدثا حسن المراعاة فقال لي: هل لك في الصحبة فقلت: إني أجوع فقال: إن جعت جعت معك [ ص: 305 ] فبقينا أربعة أيام ففتح علينا بشيء فقلت: هلم فقال: اعتقدت أني لا آخذا بواسطة فقلت: يا غلام دققت؟ فقال: يا إبراهيم لا تتبهرج فإن الناقد بصير مالك والتوكل؟ ثم قال: أقل التوكل أن ترد عليك موارد الفاقات فلا تسمو نفسك إلا إلى من إليه الكفايات.

وقيل: التوكل نفي الشكوك والتفويض إلى ملك الملوك.

وقيل: دخل جماعة على الجنيد فقالوا: أين نطلب الرزق؟ فقال: إن علمتم أي موضع هو فاطلبوه قالوا: فنسأل الله تعالى ذلك فقال: إن علمتم أنه ينساكم فذكروه فقالوا: ندخل البيت فنتوكل؟ فقال: التجربة شك قالوا فما الحيلة؟ فقال: ترك الحيلة.

وقال أبو سليمان الداراني لأحمد بن أبي الحواري: يا أحمد إن طرق الآخرة كثيرة وشيخك عارف بكثير منها إلا هذا التوكل المبارك فإني ما شممت منه رائحة.

وقيل: التوكل الثقة بما في يد الله تعالى واليأس عما في أيدي الناس.

وقيل: التوكل فراغ السر عن التفكر في التقاضي في طلب الرزق.

وسئل الحارث المحاسبي عن المتوكل هل يلحقه طمع فقال: يلحقه من طريق الطباع خطرات ولا يضره شيء ويقويه على إسقاط الطمع اليأس عما في أيدي الناس.

وقيل: جاع النوري في البادية فهتف به هاتف أيما أحب إليك سبب أو كفاية فقال: الكفاية ليس فوقها نهاية فبقي سبعة عشر يوما لم يأكل. [ ص: 306 ]

وقال أبو علي الروذباري إذا قال الفقير بعد خمسة أيام أنا جائع فألزموه السوق ومروه بالعمل والكسب.

وقيل: نظر أبو تراب النخشبي إلى صوفي مد يده على قشر بطيخ ليأكله بعد ثلاثة أيام فقال له: لا يصلح لك التصوف الزم السوق. وقال أبو يعقوب الأقطع البصري: جعت مرة بالحرم عشرة أيام فوجدت ضعفا فحدثتني نفسي فخرجت إلى الوادي لعلي أجد شيئا يسكن ضعفي فرأيت سلجمة مطروحة فأخذتها فوجدت في قلبي منها وحشة وكأن قائلا يقول لي جعت عشرة أيام وآخره يكون حظك سلجمة متغيرة فرميت بها ودخلت المسجد فقعدت فإذا أنا برجل أعجمي جلس بين يدي ووضع قمطرة وقال هذه لك فقلت كيف خصصتني بها فقال: أعلم أنا كنا في البحر منذ عشرة أيام وأشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا إن خلصنا الله تعالى أن يتصدق بشيء ونذرت أنا إن خلصني الله تعالى أن أتصدق بهذه على أول من يقع بصري عليه من المجاورين وأنت أول من لقيته فقلت: افتحها ففتحها فإذا فيها كعك سميد مصري ولوز مقشور وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضة من ذا وقبضة من ذا وقلت: رد الباقي إلى صبيانك هو هدية مني لكم وقد قبلتها ثم قلت في نفسي: رزقك يسير إليك من عشرة أيام وأنت تطلبه من الوادي.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: كنت عند ممشاد الدينوري فجرى حديث الدين فقال: كان علي دين فاشتغل قلبي فرأيت في النوم كأن قائلا يقول: يا بخيل أخذت علينا هذا المقدار، خذ، عليك الأخذ وعلينا العطاء فما حاسبت بعد ذلك بقالا ولا قصابا ولا غيرهم. [ ص: 307 ]

ويحكى عن بنان الحمال قال: كنت في طريق مكة حرسها الله تعالى أجئ من مصر ومعي زاد فجاءتني امرأة وقالت لي: يا بنان أنت حمال تحمل على ظهرك الزاد وتتوهم أنه لا يرزقك قال: فرميت بزادي ثم أتى علي ثلاثة لم آكل فوجدت خلخالا في الطريق فقلت: في نفسي أحمله حتى يجئ صاحبه فربما يعطيني شيئا فأرده عليه فإذا أنا بتلك المرأة فقالت لي: أنت تاجر تقول حتى يجيء صاحبه فآخذ منه شيئا ثم رمت إليه شيئا من الدراهم وقالت أنفقها فاكتفيت بها إلى قريب من مكة.

ويحكى عن بنان أنه احتاج إلى جارية تخدمه فانبسط إلى إخوانه فجمعوا له ثمنها وقالوا: هو ذا يجيء النفر فتشتري ما يوافقك. فلما ورد النفر اجتمع رأيهم على واحدة وقالوا: إنها تصلح له فقالوا لصاحبها: بكم هذه فقال: إنها ليست للبيع فألحوا عليه فقال: إنها لبنان الحمال أهدتها إليه امرأة من سمرقند فحملت إلى بنان وذكرت له القصة.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن الحسين المخزومي يقول: حدثنا أحمد بن محمد بن صالح قال: حدثنا محمد بن عبدون قال: حدثنا الحسن الخياط قال كنت عند بشر الحافي فجاء نفر فسلموا عليه فقال: من أين أنتم؟ قالوا: نحن من الشام جئنا نسلم عليك ونريد الحج فقال: شكر الله تعالى لكم فقالوا: تخرج معنا فقال: بثلاث شرائط لا نحمل معنا شيئا ولا نسأل أحدا شيئا وإن أعطانا أحد شيئا لا نقبل قالوا: أما أن لا نحمل فنعم وأما أن لا نسأل فنعم وأما أن لا نقبل إن أعطينا فهذا لا نستطيعه. فقال: خرجتم متوكلين على زاد الحجيج ثم قال يا حسن الفقراء ثلاثة: فقير لا يسأل، وإن أعطي لا يأخذ، فذاك من جملة الروحانيين، وفقير لا يسأل، وإن أعطي قبل فذاك توضع له موائد في حظائر القدس، وفقير يسأل وإن أعطي قبل قدر الكفاية فكفارته صدقة.

وقيل: لحبيب العجمي لم تركت التجارة؟ قال وجدت الكفيل ثقة.

وقيل: كان في الزمن الأول رجل في سفر ومعه قرص فقال: إن أكلته مت [ ص: 308 ] فوكل الله تعالى به ملكا وقال إن أكله فارزقه وإن لم يأكله فلا تعطه غيره فلم يزل القرص معه حتى مات ولم يأكله وبقي عنده القرص.

وقيل: من وقع في ميدان التفويض يزف إليه المراد كما تزف العروس إلى أهلها.

والفرق بين التضييع والتفويض أن التضييع في حق الله تعالى وذلك مذموم والتفويض في حقك وهو محمود وقال عبد الله بن المبارك: من أخذ فلسا من حرام فليس بمتوكل.

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول: سمعت علي بن محمد المصري يقول: سمعت أبا سعيد الخراز يقول: دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة من بعيد فسررت بأني وصلت ثم فكرت في نفسي أني سكنت واتكلت على غيره فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن أحمل إليها فحفرت لنفسي في الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إلى صدري فسمعوا صوتا في نصف الليل عاليا يا أهل المرحلة إن لله تعالى وليا حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه فجاءني جماعة فأخرجوني وحملوني إلى القرية.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن الحسين المخزومي يقول: سمعت ابن المالكي يقول: قال أبو حمزة الخراساني حججت سنة من السنين فبينما أنا أمشي في الطريق إذ وقعت في بئر فنزعتني نفسي أن أستغيث فقلت لا والله لا أستغيث فما استتممت هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان فقال أحدهما للآخر: تعال حتى نسد رأس هذه البئر لئلا يقع فيها أحد فأتوا بقصب وبارية وطموا رأس البئر فهممت أن أصيح ثم قلت في نفسي: أصيح على من هو أقرب منهما وسكنت فبينما أنا بعد ساعة إذ أنا بشيء جاء وكشف عن رأس البئر وأدلى رجله وكأنه يقول لي: تعلق بي في همهمة له كنت أعرف ذلك منه فتعلقت به [ ص: 309 ] فأخرجني فإذا هو سبع فمر وهتف بي هاتف: يا أبا حمزة أليس هذا أحسن؟ نجيناك من التلف بالتلف فمشيت وأنا أقول:


أهابك أن أبدي إليك الذي أخفي وسري يبدي ما يقول له طرفي     نهاني حيائي منك أن أكتم الهوى
وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف     تلطفت في أمري فأبديت شاهدي
إلى غائبي واللطف يدرك باللطف     تراءيت لي بالغيب حتى كأنما
تبشرني بالغيب أنك في الكف     أراك وبي من هيبتي لك وحشة
فتؤنسني باللطف منك وبالعطف     وتحيي محبا أنت في الحب حتفه
وذا عجب كون الحياة مع الحتف



سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا سعدان التاهرتي يقول: سمعت حذيفة المرعشي يقول: وقد خدم إبراهيم بن أدهم وصحبه فقيل له: ما أعجب ما رأيت منه؟ فقال: بقينا في طريق مكة حرسها الله تعالى أياما لم نجد طعاما

ثم دخلنا الكوفة فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلي إبراهيم بن أدهم وقال: يا حذيفة أرى بك أثر الجوع فقلت هو ما رأى الشيخ فقال: علي بدواة وقرطاس فجئت به فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أنت المقصود إليه بكل حال والمشار إليه بكل معنى: [ ص: 310 ]


أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر     أنا جائع أنا نائع أنا عاري
هي ستة وأنا الضمين لنصفها     فكن الضمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك لهب نار خضتها     فأجر عبيدك من دخول النار
والنار عندي كالسؤال فهل ترى     أن لا تكلفني دخول النار



ثم دفع إلي الرقعة وقال: اخرج ولا تعلق قلبك بغير الله تعالى وادفع الرقعة إلى أول من يلقاك قال فخرجت فأول من لقيني رجل كان على بغلة فدفعتها إليه فأخذها وبكى وقال: ما فعل صاحب هذه الرقعة فقلت: هو في المسجد الفلاني فدفع إلي صرة فيها ست مائة دينار ثم لقيت رجلا آخر ، فقلت: من صاحب هذه البغلة فقال: نصراني فجئت إلى إبراهيم بن أدهم وأخبرته بالقصة فقال لا تمسها فإنه يجئ الساعة، فلما كان بعد ساعة وافى النصراني وأكب على رأس إبراهيم بن أدهم وأسلم. [ ص: 311 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية