صفحة جزء
ومنهم أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي من مشايخ خراسان له لسان في التوكل، وكان أستاذ حاتم الأصم، قيل كان سبب توبته أنه كان من أبناء الأغنياء خرج للتجارة إلى أرض الترك، وهو حدث ، فدخل بيتا للأصنام فرأى خادما للأصنام فيه ؛ قد حلق رأسه ولحيته ولبس ثيابا أرجوانية ، فقال شقيق للخادم: إن لك صانعا حيا عالما قادرا فاعبده ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، فقال: إن كان كما تقول فهو قادر على أن يرزقك ببلدك فلم تعنيت إلى هاهنا للتجارة ، فانتبه شقيق وأخذ في طريق الزهد.

وقيل: كان سبب زهده أنه رأى مملوكا يلعب ويمرح في زمان قحط ، وكان الناس مهتمين به فقال شقيق: ما هذا النشاط الذي فيك؟ أما ترى ما فيه الناس من الجدب والقحط؟ فقال ذلك المملوك: وما علي من ذلك ولمولاي قرية خالصة يدخل له منها ما نحتاج نحن إليه، فانتبه شقيق ، وقال: إن كان لمولاه قرية ومولاه مخلوق فقير ، ثم إنه ليس يهتم لرزقه، فكيف ينبغي أن يهتم المسلم لرزقه ومولاه غني؟ سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله ، يقول: سمعت أبا الحسين بن أحمد العطار البلخي ، يقول: سمعت أحمد بن محمد البخاري ، يقول: قال حاتم الأصم: [ ص: 56 ]

كان شقيق بن إبراهيم موسرا ، وكان يتفتى ويعاشر الفتيان، وكان علي بن عيسى بن ماهان أمير بلخ ، وكان يحب كلاب الصيد ففقد كلبا من كلابه، فسعى برجل أنه عنده، وكان الرجل في جوار شقيق فطلب الرجل فهرب، فدخل دار شقيق مستجيرا فمضى شقيق إلى الأمير وقال: خلوا سبيله فإن الكلب عندي أرده إليكم إلى ثلاثة أيام، فخلوا سبيله وانصرف شقيق مهتما لما صنع ، فلما كان اليوم الثالث كان رجل من أصدقاء شقيق غائبا من بلخ رجع إليها فوجد في الطريق كلبا عليه قلادة فأخذه، وقال: أهديه إلى شقيق فإنه يشتغل بالتفتي فحمله إليه فنظر شقيق فإذا هو كلب الأمير فسر به وحمله إلى الأمير وتخلص من الضمان ، فرزقه الله الانتباه، وتاب مما كان فيه ، وسلك طريق الزهد.

وحكي أن حاتما الأصم قال كنا مع شقيق في مصاف نحارب الترك في يوم لا ترى فيه إلا رءوسا تندر ورماحا تنقصف، وسيوفا تنقطع ، فقال لي شقيق: كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم؟ تراه مثل ما كنت في الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ فقلت: لا والله ، قال لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثل ما كنت تلك الليلة، ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه حتى سمعت غطيطه.

وقال شقيق: إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر إلى ما وعده الله ووعده الناس، فبأيهما يكون قلبه أوثق.

وقال شقيق: تعرف تقوى الرجل في ثلاثة أشياء: في أخذه ومنعه وكلامه. [ ص: 57 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية