صفحة جزء
باب الخلق قال الله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم

أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال : أخبرنا أبو الحسن الصفار البصري قال : حدثنا هشام بن محمد بن غالب قال : حدثنا معلى بن مهدي قال : حدثنا بشار بن إبراهيم النميري قال : حدثنا غيلان بن جرير ، عن أنس قال : قيل : يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال : أحسنهم خلقا ،

قال الأستاذ الخلق الحسن أفضل مناقب العبد وبه يظهر جواهر الرجال والإنسان مستور بخلقه مشهود بخلقه

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول : إن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بما خصه به ثم لم يثن عليه بشيء من خصاله بمثل ما أثنى عليه بخلقه فقال عز من قائل : وإنك لعلى خلق عظيم

وقال الواسطي : وصفه بالخلق العظيم لأنه جاد بالكونين واكتفى بالله تعالى ، وقال الواسطي أيضا : الخلق العظيم أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى وقال الحسين بن منصور : معناه لم يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك الحق ،

وقال أبو سعيد الخراز لم يكن لك همة غير الله تعالى ، سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت الحسين بن أحمد بن جعفر يقول : سمعت الكتاني يقول : التصوف خلق من زاد عليك بالخلق فقد زاد عليك في التصوف ، [ ص: 398 ] ويروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : إذا سمعتموني أقول لمملوك أخزاه الله تعالى فاشهدوا أنه حر ،

وقال الفضيل : لو أن العبد أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين وقيل : كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رأى واحدا من عبيده يحسن الصلاة يعتقه فعرفوا ذلك من خلقه فكانوا يحسنون الصلاة مراءاة وكان يعتقهم ، فقيل له في ذلك فقال : من خدعنا في الله انخدعنا له ،

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول : سمعت أبا محمد بن الجريري يقول : سمعت الجنيد يقول : سمعت الحرث المحاسبي يقول : فقدنا ثلاثة أشياء حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الأمانة وحسن الإخاء مع الوفاء ،

وسمعته يقول : سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول : الخلق استصغار ما منك واستعظام ما منه إليك ،

وقيل للأحنف : ممن تعلمت الخلق فقال : من قيس بن عاصم المنقري ، قيل : وما بلغ من خلقه ؟ فقال : بينا هو جالس في داره إذ جاءت خادم له بسفود عليه شواء فسقط من يدها فوقع على ابن له فمات فدهشت الجارية فقال : لا روعة عليك أنت حرة لوجه الله تعالى ، وقال شاه الكرماني : علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق ،

وقيل لذي النون المصري : من أكثر الناس هما ؟ قال : أسوأهم خلقا ،

وقال وهب : ما تخلق عبد بخلق أربعين صباحا إلا جعل الله ذلك طبيعة فيه ،

وقال الحسن البصري في قوله تعالى : وثيابك فطهر أي : وخلقك فحسن ، [ ص: 399 ] وقيل : كان لبعض النساك شاة فرآها على ثلاث قوائم فقال : من فعل هذا بها ؟ فقال غلام له : أنا فقال : لم ؟ قال لأغمك بها ، فقال : لا بل لأغمن من أمرك بذلك اذهب فأنت حر ، وقيل لإبراهيم بن أدهم : هل فرحت في الدنيا قط ؟ فقال : نعم مرتين إحداهما : كنت قاعدا ذات يوم فجاء إنسان وبال علي ، والثانية : كنت قاعدا فجاء إنسان وصفعني ،

وقيل : كان أويس القرني إذا رآه الصبيان يرمونه بالحجارة ، فيقول : إن كان لا بد فارموني بالصغار كيلا تدقوا ساقي فتمنعوني عن الصلاة ،

وشتم رجل الأحنف بن قيس وكان يتبعه فلما قرب من الحي وقف وقال : يا فتى إن بقي في قلبك شيء فقله كيلا يسمعك بعض سفهاء الحي فيجيبوك ، وقيل لحاتم الأصم : أيحتمل الرجل من كل أحد ، فقال : نعم إلا من نفسه ، وروي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه دعا غلاما له فلم يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فلم يجبه فقام إليه فرآه مضطجعا فقال : أما تسمع يا غلام ؟ فقال : نعم ، قال : فما حملك على ترك جوابي ؟ فقال : أمنت عقوبتك فتكاسلت ، فقال : امض فأنت حر لوجه الله تعالى ، وقيل : نزل معروف الكرخي الدجلة ليتوضأ ووضع مصحفه وملحفته فجاءت امرأة وحملتهما فتبعها معروف وقال : يا أختي أنا معروف ولا بأس عليك ألك ابن يقرأ ؟ قالت : لا ، قال : فزوج ؟ قالت : لا قال ، فهاتي المصحف وخذي الثوب ،

ودخل اللصوص مرة دار الشيخ أبي عبد الرحمن السلمي بالمكابرة وحملوا ما وجدوا فسمعت بعض أصحابنا يقول : سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول : اجتزت بالسوق فوجدت جبتي على من يزيد فأعرضت ولم ألتفت إليه ،

سمعت الشيخ أبا حاتم السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج الطوسي يقول : [ ص: 400 ]

سمعت الوجيهي يقول : قال الجريري : قدمت من مكة حرسها الله تعالى فبدأت بالجنيد لكيلا يتعنى إلي فسلمت عليه ثم مضيت إلى المنزل فلما صليت الصبح في المسجد إذا أنا به خلفي في الصف فقلت : إنما جئتك أمس لئلا تتعنى فقال : ذاك فضلك وهذا حقك ،

وسئل أبو حفص عن الخلق فقال : ما اختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : خذ العفو الآية

وقيل : الخلق أن تكون من الناس قريبا وفيما بينهم غريبا ، وقيل : الخلق قبول ما يرد عليك من جفاء الخلق وقضاء الحق بلا ضجر ولا قلق ، وقيل : كان أبو ذر على حوض يسقي إبلا له فأسرع بعض الناس إليه فانكسر الحوض فجلس ثم اضطجع ، فقيل له في ذلك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا غضب الرجل أن يجلس فإذا ذهب عنه وإلا فليضطجع ، وقيل : مكتوب في الإنجيل : عبدي اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب ، وقالت امرأة لمالك بن دينار : يا مرائي فقال : يا هذه وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة ، وقال لقمان لابنه : لا تعرف ثلاثة إلا عند ثلاثة الحليم عند الغضب والشجاع عند الحرب والأخ عند الحاجة إليه ،

وقال موسى عليه السلام : إلهي لا أسألك أن لا يقال لي ما ليس في فأوحى الله تعالى إليه ما فعلت ذلك لنفسي فكيف أفعله لك ،

وقيل : ليحيى بن زياد الحارثي وكان له غلام سوء : لم تمسك هذا الغلام ؟ فقال : لأتعلم عليه الحلم ،

وقيل : في قوله تعالى : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة الظاهرة : تسوية الخلق ، والباطنة : تصفية الخلق ،

وقال الفضيل : لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق ،

وقيل : الخلق الحسن احتمال المكروه بحسن المداراة ، [ ص: 401 ]

وحكي أن إبراهيم بن أدهم خرج إلى بعض البراري فاستقبله جندي فقال : أين العمران ؟ فأشار إلى المقبرة فضرب رأسه وأوضحه فلما جاوزه قيل له : إنه إبراهيم بن أدهم زاهد خراسان فجاء يعتذر إليه فقال : إنك لما ضربتني سألت الله تعالى لك الجنة فقال : لم ؟ فقال : علمت أني أؤجر عليه فلم أرد أن يكون نصيبي منك الخير ونصيبك مني الشر ،

وحكي أن أبا عثمان الحيري دعاه إنسان إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال : يا أستاذ ليس الآن وقت دخولك وقد ندمت فانصرف فرجع أبو عثمان فلما وافى منزله عاد إليه الرجل وقال : يا أستاذ ندمت وأخذ يعتذر وقال : احضر الساعة فقام أبو عثمان ومضى ، فلما وافى باب داره قال مثل ما قال في الأول ثم كذلك فعل في الثالثة والرابعة وأبو عثمان ينصرف ويحضر فلما كان بعد مرات قال : يا أستاذ ، أردت اختباره وأخذ يعتذر ويمدحه فقال أبو عثمان : لا تمدحني على خلق تجد مثله مع الكلاب ، الكلب إذا دعي حضر وإذا زجر انزجر ،

وقيل : إن أبا عثمان اجتاز بسكة وقت الهاجرة فألقي عليه من سطح طست رماد فتغير أصحابه وبسطوا ألسنتهم في الملقي فقال أبو عثمان : لا تقولوا شيئا من استحق أن يصب عليه النار فصولح على الرماد لم يجز له أن يغضب ،

وقيل : نزل بعض الفقراء على جعفر بن حنظلة فكان جعفر يخدمه جدا والفقير يقول : نعم الرجل أنت لو لم تكن يهوديا فقال جعفر : عقيدتي لا تقدح فيما تحتاج إليه من الخدمة فسل لنفسك الشفاء ولي الهداية ،

قيل : كان لعبد الله الخياط حريف مجوسي يخيط له ثيابا ويدفع إليه دراهم زيوفا وكان عبد الله يأخذها ، فاتفق أنه قام من حانوته يوما لشغل فجاء المجوسي بالدراهم الزيوف فدفعها إلى تلميذه : فلم يقبلها فدفع إليه الصحاح فلما رجع عبد الله قال لتلميذه : أين قميص المجوسي ؟ فذكر له القصة فقال : بئسما عملت إنه مذ مدة يعاملني بمثلها وأنا أصبر عليه وألقيها في بئر لئلا يغر بها غيري ، [ ص: 402 ]

وقيل : الخلق السيئ يضيق قلب صاحبه لأنه لا يسع فيه غير مراده كالمكان الضيق لا يسع فيه غير صاحبه ،

وقيل : حسن الخلق أن لا تتغير ممن يقف في الصف بجنبك ،

وقيل : من سوء خلقك وقوع بصرك على سوء خلق غيرك ،

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشؤم فقال : سوء الخلق ،

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الأهوازي قال : حدثنا أبو الحسن الصفار البصري قال : حدثنا معاذ بن المثنى قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا مروان الفزاري قال : حدثنا يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قيل : يا رسول الله ، ادع الله تعالى على المشركين ،

فقال : إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا
[ ص: 403 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية