صفحة جزء
باب السماع

قال الله -عز وجل-: فبشر عباد 17 الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللام في قوله: القول تقتضي التعميم والاستغراق، والدليل عليه أنه مدحهم باتباع الأحسن، وقال تعالى: فهم في روضة يحبرون جاء في التفسير أنه السماع.

واعلم أن سماع الأشعار بالألحان الطيبة، والنغم المستلذة، إذا لم يعتقد المستمع محظورا ولم يسمع على مذموم في الشرع ولم ينجر في زمام هواه، ولم ينخرط في سلك لهوه مباح في الجملة.

ولا خلاف أن الأشعار أنشدت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه سمعها، ولم ينكر عليهم في إنشادها، فإذا جاز استماعها بغير الألحان الطيبة فلا يتغير الحكم بأن يسمع بالألحان.

هذا ظاهر من الأمر، ثم ما يوجب للمستمع توفر الرغبة على الطاعات، وتذكر ما أعد الله -تعالى- لعباده المتقين من الدرجات، ويحمله على التحرز من الزلات، ويؤدي إلى قلبه في الحال صفاء الواردات مستحب في الدين ومختار في الشرع، وقد جرى على لفظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما هو قريب من الشعر، وإن لم يقصد أن يكون شعرا.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا شعبة ، عن حميد قال: سمعت أنسا يقول: كانت الأنصار يحفرون الخندق فجعلوا، يقولون:


نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا



[ ص: 505 ] فأجابهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة؛ فأكرم الأنصار والمهاجرة.


ليس هذا اللفظ منه -صلى الله عليه وسلم- على وزن شعر، لكنه قريب منه. وقد سمع السلف والأكابر الأبيات بالألحان، فممن قال بإباحته من السلف مالك بن أنس وأهل الحجاز كلهم يبيحون الغناء، وأما الحداء فإجماع منهم على إجازته. وقد وردت الأخبار، واستفاضت الآثار في ذلك، وروي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع، فقيل له: إذا أتي بك يوم القيامة ويؤتى بحسناتك وسيئاتك ففي أي الجانبين سماعك؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات، يعني أنه من المباحات.

وأما الشافعي -رحمه الله تعالى- فإنه لا يحرمه، ويجعله في العوام مكروها حتى لو احترف بالغناء أو اتصف على الدوام بسماعه على وجه التلهي ترد به الشهادة، ويجعله مما يسقط المروءة، ولا يلحقه بالمحرمات.

وليس كلامنا في هذا النوع من السماع، فإن هذه الطائفة جلت رتبتهم عن أن يستمعوا بلهو، أو يقعدوا للسماع بسهو، أو يكونوا بقلوبهم مفكرين في مضمون لغو، أو يستمعون على صفة غير كفء.

وقد روي عن ابن عمر آثار في إباحة السماع، وكذلك عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وكذلك عن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-، وكذلك في الحداء وغيره، وأنشد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الأشعار فلم ينه عنها، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- استنشد الأشعار.

ومن المشهور الظاهر أنه دخل بيت عائشة -رضي الله عنها- وفيه جاريتان تغنيان، فلم ينههما.

أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن مطر ، قال: حدثنا الحباب بن محمد التستري ، قال: أخبرنا أبو الأشعث ، قال: حدثنا محمد بن بكر المرساني ، قال: حدثنا شعبة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-: أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- دخل عليها وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت به [ ص: 506 ] الأنصار يوم بعاث،

فقال أبو بكر: مزمار الشيطان مرتين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدا، وعيدنا هذا اليوم
.

أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا عثمان بن عمر الضبي قال: حدثنا أبو كامل قال: حدثنا أبو عوانة ، عن الأجلح ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها أنكحت ذات قرابتها من الأنصار فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أهديتم الفتاة؟ فقالت: نعم. قال: فأرسلت من يغني؟ قالت: لا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الأنصار فيهم غزل، فلو أرسلتم من يقول:


أتيناكم أتيناكم     فحيونا نحييكم



أخبرنا الأستاذ الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك -رضي الله عنه- قال: حدثنا أحمد بن محمود بن خرزاذ قال: حدثنا الحسين بن الحارث الأهوازي قال: حدثنا سلمة بن سعيد ، عن صدقة بنت أبي عمران قالت: حدثنا علقمة بن مرثد ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا دل هذا الخبر على فضيلة الصوت الحسن

وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا عثمان بن عمر الضبي قال: حدثنا أبو ربيع قال: حدثنا عبد السلام بن هاشم قال: حدثنا عبد الله بن محرز ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن .

أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي ، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا محمد بن يونس الكريمي قال: حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم قال حدثنا شبيب بن بشر بن البجلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [ ص: 507 ]

صوتان ملعونان: صوت ويل عند مصيبة، وصوت مزمار عند نعمة .

مفهوم الخطاب يقتضي إباحة غير هذا في غير هذه الأحوال، وإلا بطل التخصيص.

والأخبار في هذا الباب تكثر، والزيادة على هذا القدر من ذكر الروايات تخرجنا عن المقصود من الاختصار، وقد روي أن رجلا أنشد بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


أقبلت فلاح لها     عارضان كالسبج
أدبرت فقلت لها     والفؤاد في وهج
هل على ويحكما     إن عشقت من حرج



فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، وإن حسن الصوت مما أنعم الله -تعالى- به على صاحبه من الناس، قال الله -عز وجل-: يزيد في الخلق ما يشاء
قيل في التفسير: من ذلك الصوت الحسن.

وذم الله -سبحانه- الصوت الفظيع؛ فقال تعالى: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير .

واستلذاذ القلوب واشتياقها إلى الأصوات الطيبة واسترواحها إليها مما لا يمكن جحوده، فإن الطفل يسكن إلى الصوت الطيب، والجمل يقاسي تعب السير، ومشقة الحمولة فيهون عليه بالحداء. قال الله تعالى: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت .

وحكى إسماعيل بن علية قال: كنت أمشي مع الشافعي -رحمه الله تعالى- وقت الهاجرة، فجزنا بموضع يقول فيه أحد شيئا، فقال: مل بنا إليه، ثم قال: أيطربك هذا؟ فقلت: لا، فقال: ما لك حس!.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أذن الله -تعالى- لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن
.

[ ص: 508 ] أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا ابن ملحان قال: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أنه قال: أخبرني أبو سلمة ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لم يأذن الله -تعالى- لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به" .

وقيل: إن داود -عليه السلام- كان يستمع لقراءته الجن والإنس والطير والوحش إذا قرأ الزبور، وكان يحمل من مجلسه أربع مائة جنازة ممن قد مات ممن سمعوا قراءته.

وقال -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود متفق عليه.

وقال معاذ بن جبل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا .

أخبرنا أبو حاتم السجستاني قال: أخبرنا عبد الله بن علي السراج قال: حكى أبو بكر محمد بن داود الدينوري الرقي قال: كنت في البادية فوافيت قبيلة من قبائل العرب، وأضافني رجل منهم، فرأيت غلاما أسود مقيدا هناك، ورأيت جمالا قد ماتت بفناء البيت، فقال لي الغلام: أنت الليلة ضيف، وأنت على مولاي كريم، فتشفع لي؛ فإنه لا يردك، فقلت لصاحب البيت: لا آكل طعامك حتى تحل هذا العبد، فقال: هذا الغلام قد أفقرني، وأتلف مالي، فقلت: فما فعل؟ فقال: له صوت طيب، وكنت أعيش من ظهر هذه الجمال، فحملها أحمالا ثقيلة وحدا لها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد، فلما حط عنها ماتت كلها، ولكن قد وهبته لك، وحل عنه القيد، فلما أصبحنا أحببت أن أسمع صوته فسألته ذلك، فأمر الغلام أن يحدو [ ص: 509 ] على جمل كان على بئر هناك يستقى عليه، فحدا الغلام فهام الجمل على وجهه، وقطع حباله، ولم أظن أني سمعت صوتا أطيب منه، فوقعت لوجهي حتى أشار إليه بالسكوت.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عمر الأنماطي يقول: سمعت الجنيد يقول وقد سئل: ما بال الإنسان يكون هادئا فإذا سمع السماع اضطرب؟ فقال: إن الله -تعالى- لما خاطب الذر في الميثاق الأول بقوله: ألست بربكم قالوا بلى استفرغت عذوبة سماع الكلام الأرواح، فلما سمعوا السماع حركهم ذكر ذلك.

سمعت الأستاذ أبا الدقاق ، يقول: السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم، مباح للزهاد لحصول مجاهداتهم، مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر الصوفي يقول: سمعت الوجيهي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: كان الحارث بن أسد المحاسبي يقول: ثلاث إذا وجدن متع بهن وقد فقدناها: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الصوت مع الديانة، وحسن الإخاء مع الوفاء.

وسئل ذو النون المصري عن الصوت الحسن، فقال: مخاطبات وإشارات أودعها الله -تعالى- كل طيب وطيبة.

وسئل مرة أخرى عن السماع، فقال: وارد حتى يزعج القلوب إلى الحق، فمن أصغى إليه بحق تحقق، ومن أصغى إليه بنفس تزندق.

وحكى جعفر بن نصير عن الجنيد أنه قال: تنزل الرحمة على الفقراء في ثلاثة مواطن: عند السماع؛ فإنهم لا يسمعون إلا عن حق، ولا يقولون إلا عن وجد، وعند أكل الطعام، فإنهم لا يأكلون إلا عن فاقة، وعند مجاراة العلم، فإنهم لا يذكرون إلا صفات الأولياء.

سمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت الحسين بن أحمد بن جعفر يقول: سمعت أبا بكر بن ممشاد الدينوري يقول: سمعت الجنيد يقول: السماع فتنة لمن طلبه، ترويح لمن صادفه. [ ص: 510 ]

وحكي عن الجنيد أنه قال: السماع يحتاج إلى ثلاثة أشياء: الزمان والمكان والإخوان.

وسئل الشبلي عن السماع، فقال: ظاهره فتنة، وباطنه عبرة، فمن عرف الإشارة حل له استماع العبرة، وإلا فقد استدعى الفتنة، وتعرض للبلية.

وقيل: لا يصلح السماع إلا لمن كانت له نفس ميتة، وقلب حي؛ فنفسه ذبحت بسيوف المجاهدة، وقلبه حي بنور الموافقة.

وسئل أبو يعقوب النهرجوري عن السماع فقال: حال يبدي الرجوع إلى الأسرار من حيث الاحتراق.

وقيل: السماع لطف عند الأرواح لأهل المعرفة.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: السماع طبع إلا عن شرع، وخرق إلا عن حق، وفتنة إلا عن عبرة.

ويقال: السماع على قسمين: سماع بشرط العلم والصحو فمن شرط صاحبه معرفة الأسامي والصفات، وإلا وقع في الكفر المحض، وسماع بشرط الحال فمن شرط صاحبه الفناء عن أحوال البشرية، والتنقي من آثار الحظوظ بظهور أحكام الحقيقة.

وحكي عن أحمد بن أبي الحواري أنه قال: سألت أبا سليمان عن السماع، فقال: من اثنين أحب إلي من الواحد.

وسئل أبو الحسن النوري عن الصوفي فقال: من سمع السماع، وآثر الأسباب.

وسئل أبو علي الروذباري عن السماع يوما، فقال: ليتنا تخلصنا منه رأسا برأس.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: سمعت من ادعى السماع ولم يسمع صوت الطيور، وصرير الباب، وتصفيق الرياح فهو فقير مدع.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج الطوسي يقول: سمعت أبا الطيب أحمد بن مقاتل العكي يقول: قال جعفر : كان ابن زيري من أصحاب الجنيد شيخا فاضلا، فربما كان يحضر موضع سماع، فإن استطابه فرش إزاره وجلس، وقال: الصوفي مع قلبه، وإن لم يستطبه، قال: السماع لأرباب القلوب، ومر وأخذ نعله.

[ ص: 511 ]

سمعت محمد بن الحسين -رحمه الله تعالى- يقول: سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت عبد الله بن عبد المجيد الصوفي يقول: سئل رويم عن وجود الصوفية عند السماع، فقال: يشهدون المعاني التي تعزب عن غيرهم، فتشير إليهم: إلي إلي فيتنعمون بذلك من الفرح، ثم يقطع الحجاب فيعود ذلك الفرح بكاء، فمنهم من يخرق ثيابه، ومنهم من يصيح، ومنهم من يبكي، كل إنسان على قدره.

سمعت محمد بن أحمد بن محمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت الحصري يقول في بعض كلامه: إيش أعمل بسماع ينقطع إذا انقطع من يسمع منه؟ ينبغي أن يكون سماعك متصلا غير منقطع.

قال: وقال الحصري: ينبغي أن يكون ظمأ دائم وشرب دائم، فكلما ازداد شربه ازداد ظمؤه.

وجاء عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: فهم في روضة يحبرون أنه السماع من الحور العين بأصوات شهية: نحن الخالدات فلا نموت أبدا، نحن الناعمات فلا نبؤس أبدا.

وقيل: السماع نداء، والوجد قصد.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: قلوب أهل الحق قلوب حاضرة، وأسماعهم أسماع مفتوحة.

وسمعته يقول: سمعت الأستاذ أبا سهل الصعلوكي يقول: المستمع بين استتار وتجل، فالاستتار يوجب التلهيب، والتجلي يورث الترويح، والاستتار يتولد منه حركات المريدين، وهو محل الضعف والعجز، والتجلي يتولد منه سكون الواصلين، وهو محل الاستقامة والتمكين، وذلك صفة الحضرة، وليس فيها إلا الذبول تحت موارد الهيبة. قال الله تعالى: فلما حضروه قالوا أنصتوا .

[ ص: 512 ]

وقال أبو عثمان الحيري : السماع على ثلاثة أوجه:

فوجه منها للمريدين والمبتدئين، يستدعون بذلك الأحوال الشريفة، وتخشى عليهم في ذلك الفتنة والمراءاة.

والثاني: للصادقين يطلبون الزيادة في أحوالهم، ويستمعون من ذلك ما يوافق أوقاتهم.

والثالث: لأهل الاستقامة من العارفين، فهؤلاء لا يختارون على الله -تعالى- فيما يرد على قلوبهم من الحركة والسكون.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي -رحمه الله تعالى- يقول: سمعت أبا الفرج الشيرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: قال أبو سعيد الخراز : من ادعى أنه مغلوب عند الفهم يعني في السماع، وأن الحركات مالكة فعلامته تحسين المجلس الذي هو فيه بوجده.

قال الشيخ أبو عبد الرحمن : فذكرت هذه الحكاية لأبي عثمان المغربي فقال: هذا أدناه، وعلامته الصحيحة أن لا يبقى في المجلس محق إلا أنس به، ولا يبقى فيه مبطل إلا استوحش منه.

وقال بندار بن الحسين : السماع على ثلاثة أوجه: منهم من يسمع بالطبع، ومنهم من يسمع بالحال، ومنهم من يسمع بالحق، فالذي يسمع بالطبع يشترك فيه الخاص والعام، فإن جبلة البشرية استلذاذ الصوت الطيب، والذي يسمع بالحال فهو يتأمل ما يرد عليه من ذكر عتاب أو خطاب، أو وصل، أو هجر، أو قرب، أو بعد، أو تأسف على فائت، أو تعطش إلى آت، أو وفاء بعهد، أو تصديق لوعد، أو نقض لعهد، أو ذكر قلق، أو اشتياق، أو خوف فراق، أو فرح وصال، أو حذر انفصال، أو ما جرى مجراه.

وأما من يسمع بحق فيسمع بالله -تعالى- ولله، ولا يتصف بهذه الأحوال التي هي ممزوجة بالحظوظ البشرية فإنها مبقاة مع العلل، فيسمعون من حيث صفاء التوحيد بحق لا بحظ.

وقيل: أهل السماع على ثلاث طبقات: أبناء الحقائق يرجعون في سماعهم إلى مخاطبة الحق -سبحانه- لهم، وضرب يخاطبون الله -تعالى- بقلوبهم بمعاني ما يسمعون، فهم مطالبون بالصدق [ ص: 513 ] فيما يشيرون به إلى الله تعالى، وثالث هو فقير مجرد قطع العلاقات من الدنيا والآفات، يسمعون بطيبة قلوبهم، وهؤلاء أقربهم إلى السلامة.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وقد سئل عن السماع، فقال: مكاشفة الأسرار إلى مشاهدة المحبوب، وقال الخواص وقد سئل: ما بال الإنسان يتحرك عند سماع غير القرآن، ولا يجد ذلك في سماع القرآن؟ ، فقال: لأن سماع القرآن صدمة لا يمكن لأحد أن يتحرك فيه لشدة غلبته، وسماع القول ترويح فيتحرك فيه.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي يقول: سمعت الجنيد يقول: إذا رأيت المريد يحب السماع فاعلم أن فيه بقية من البطالة.

وسمعته يقول: سمعت علي بن عبد الله البغدادي يقول: سمعت أبا سعيد الرملي يقول: قال سهل بن عبد الله : السماع علم استأثر الله -تعالى- به لا يعلمه إلا هو.

وحكى أحمد بن مقاتل العكي قال: لما دخل ذو النون المصري بغداد اجتمع إليه الصوفية ومعهم قوال، فاستأذنوه أن يقول بين يديه شيئا فأذن، فابتدأ يقول:


صغير هواك عذبني     فكيف به إذا احتنكا
وأنت جمعت من قلبي     هوى قد كان مشتركا
أما ترثي لمكتئب     إذا ضحك الخلي بكا



قال: فقام ذو النون وسقط على وجهه والدم يقطر من جبينه ولا يسقط على الأرض، ثم قام رجل من القوم يتواجد، فقال له ذو النون : الذي يراك حين تقوم فجلس الرجل.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في هذه الحكاية: كان ذو النون صاحب إشراف على ذلك الرجل؛ حيث نبهه أن ذلك ليس مقامه، وكان ذلك الرجل صاحب إنصاف؛ حيث قبل ذلك منه فرجع وقعد.

سمعت محمد بن أحمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي الصوفي يقول: سمعت الرقي يقول: سمعت ابن الجلاء يقول: كان بالمغرب شيخان لهما أصحاب وتلامذة يقال لأحدهما: جبلة وللثاني: رزيق فزار رزيق يوما جبلة في أصحابه، فقرأ رجل من أصحاب رزيق شيئا، فصاح واحد من أصحاب جبلة ومات، فلما أصبحوا قال جبلة لرزيق : [ ص: 514 ]

أين الذي قرأ بالأمس؟ فليقرأ، فقرأ آية فصاح جبلة صيحة فمات القارئ، فقال جبلة : واحد بواحد، والبادي أظلم.

وسئل إبراهيم المارستاني عن الحركة عند السماع؟ فقال: بلغني أن موسى -عليه السلام- قص في بني إسرائيل فمزق واحد منهم قميصه، فأوحى الله -تعالى- إليه قل له: مزق لي قلبك، ولا تمزق ثيابك.

وسأل أبو علي المغازلي الشبلي فقال: ربما يطرق سمعي آية من كتاب الله -عز وجل- فتحدوني على ترك الأشياء، والإعراض عن الدنيا، ثم أرجع إلى أحوالي وإلى الناس، فقال الشبلي : ما اجتذبك إليه فهو عطف منه عليك ولطف، وما رددت إلى نفسك فهو شفقة منه عليك، لأنه لم يصح لك التبري من الحول والقوة في التوجه إليه.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سمعت أحمد بن مقاتل العكي يقول: كنت مع الشبلي في مسجد ليلة من شهر رمضان وهو يصلي خلف إمام له وأنا بجنبه، فقرأ الإمام: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك فزعق زعقة قلت: طارت روحه وهو يرتعد ويقول: بمثل هذا يخاطب الأحباب! ويردد ذلك كثيرا.

وحكي عن الجنيد أنه قال: دخلت على السري يوما فرأيت عنده رجلا مغشيا عليه فقلت: ما له؟ فقال: سمع آية من كتاب الله تعالى، فقلت: تقرأ عليه ثانيا، فقرأ فأفاق، فقال لي: من أين علمت هذا؟ فقلت: إن قميص يوسف ذهب بسببه عين يعقوب -عليهما السلام- ثم به عاد بصره؛ فاستحسن مني ذلك.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سمعت عبد الواحد بن علوان يقول: كان شاب يصحب الجنيد فكان إذا سمع شيئا من الذكر يزعق، فقال: له الجنيد يوما: إن فعلت ذلك مرة أخرى لم تصحبني، فكان إذا سمع شيئا يتغير ويضبط نفسه حتى كان يقطر كل شعرة من بدنه بقطرة، فيوما من الأيام صاح صيحة تلفت نفسه.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: حكى لي بعض إخواني عن أبي الحسين الدراج قال: قصدت يوسف بن الحسين الرازي من بغداد، فلما دخلت [ ص: 515 ] الري سألت عن منزله فكل من أسأل منه يقول لي: إيش تفعل بذلك الزنديق؟ فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف، فبت تلك الليلة في مسجد، ثم قلت: جئت هذه البلدة فلا أقل من زيارته، فلم أزل أسأل عنه حتى وقعت إلى مسجده وهو قاعد في المحراب، وبين يديه رجل وعليه مصحف يقرأ فيه، وإذا هو شيخ بهي، حسن الوجه واللحية، فدنوت منه وسلمت عليه فرد السلام، وقال: من أين؟ فقلت: من بغداد، قصدت زيارة الشيخ، فقال: لو أن في بعض البلدان قال لك إنسان: أقم عندي حتى أشتري لك دارا، أو جارية أكان يمنعك عن زيارتي؟ فقلت: يا سيدي، ما امتحنني الله -تعالى- بشيء من ذلك، ولو كان لا أدري كيف كنت أكون، فقال: تحسن أن تقول شيئا؟ فقلت: نعم، وقلت:


رأيتك تبني دائبا في قطيعتي     ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني



فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وثوبه حتى رحمته من كثرة بكائه، ثم قال لي: يا بني، لا تلم أهل الري على قولهم: يوسف بن الحسين زنديق، ومن وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن فلم تقطر من عيني قطرة، وقد قامت علي القيامة بهذا البيت.

سمعت محمد بن أحمد بن محمد الصوفي يقول: سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول: سمعت الرقي يقول: سمعت الدراج يقول: كنت أنا وابن القوطي مارين على الدجلة بين البصرة والأبلة، وإذا نحن بقصر حسن، له منظر، وعليه رجل وبين يديه جارية تغني وتقول:


في سبيل الله ود     كان مني لك يبذل
كل يوم تتلون     غير هذا بك أجمل



وإذا شاب تحت المنظرة بيده ركوة وعليه مرقعة يسمع، فقال: يا جارية، بحياة مولاك أعيدي:


كل يوم تتلون     غير هذا بك أجمل



فقال الشاب: قولي، فأعادت، فقال الفقير: هذا والله تلوني مع الحق وشهق شهقة خرجت روحه، فقال صاحب القصر للجارية: أنت حرة لوجه الله تعالى، وخرج أهل البصرة وفرغوا من دفنه والصلاة عليه، فقام صاحب القصر، وقال: أليس تعرفوني؟ أشهدكم أن كل شيء لي في سبيل الله، وكل مماليكي أحرار، ثم اتزر بإزار وارتدى برداء، وتصدق بالقصر، ومر فلم ير له بعد ذلك وجه، ولا سمع له أثر.

[ ص: 516 ]

سمعت محمد بن أحمد بن محمد الصوفي يقول: سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول: سمعت يحيى بن الرضا العلوي قال: سمع أبو سلمان الدمشقي طوافا ينادي: يا سعتر بري، فسقط مغشيا عليه، فلما أفاق سئل، فقال: حسبته يقول: اسع تر بري.

وسمع عتبة الغلام رجلا يقول: سبحان رب السماء، إن المحب لفي عناء، فقال عتبة: صدقت، وسمع رجل آخر ذلك القول، فقال: كذبت، فكل واحد سمع من حيث هو.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سمعت أبا الحسن علي بن محمد الصوفي يقول: سمعت رويما وقد سئل عن المشايخ الذين لقيهم في السماع، فقال: كالقطيع إذا وقع فيه الذئب.

وحكي عن أبي سعيد الخراز قال: رأيت علي بن الموفق في السماع يقول: أقيموني فأقاموه فقام وتواجد، ثم قال: أنا الشيخ الزفان.

وقيل: قام الرقي ليلة إلى الصباح يقوم ويسقط على هذا البيت، والناس قيام يبكون والبيت:


بالله فاردد فؤاد مكتئب     ليس له من حبيبه خلف



سمعت محمد بن أحمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي الصوفي يقول: سمعت علي بن الحسين بن حمد بن أحمد بالبصرة يقول: سمعت أبي يقول: خدمت سهل بن عبد الله سنين كثيرة، فما رأيته تغير عند سماع شيء كان يسمعه من الذكر والقرآن وغيره، فلما كان في آخر عمره قرئ بين يديه: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية رأيته تغير وارتعد وكاد يسقط، فلما رجع إلى حال صحوه سألته عن ذلك، فقال: يا حبيبي ضعفنا.

وحكى ابن سالم قال: رأيته مرة أخرى قرئ بين يديه: الملك يومئذ الحق للرحمن [ ص: 517 ] فتغير وكاد يسقط، فقلت له في ذلك، فقال: ضعفت، وهذه صفة الأكابر لا يرد عليه وارد وإن كان قويا إلا وهو أقوى منه.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على أبي عثمان المغربي وواحد يستقي الماء من البئر على بكرة، فقال: يا أبا عبد الرحمن أتدري إيش تقول البكرة؟ فقلت: لا، فقال: تقول: الله الله.

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت علي بن طاهر يقول: سمعت عبد الله بن سهل يقول: سمعت رويما يقول: روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه سمع صوت ناقوس، فقال لأصحابه: "أتدرون ما يقول هذا؟" قالوا: لا، قال: إنه يقول: سبحان الله حقا، إن المولى صمد يبقى.

سمعت محمد بن أحمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت أحمد بن علي الكرخي الوجيهي يقول: كان جماعة من الصوفية مستجمعين في بيت الحسن القزاز، ومعهم قوالون يقولون ويتواجدون، فأشرف عليهم ممشاد الدينوري فسكتوا، فقال: ارجعوا إلى ما كنتم فيه، فلو جمع ملاهي الدنيا في أذني ما شغل همي، ولا شفي بعض ما بي.

وبهذا الإسناد عن الوجيهي قال: سمعت أبا علي الروذباري يقول: بلغنا في هذا الأمر إلى مكان مثل حد السيف إن ملنا كذا ففي النار.

وقال خير النساج : قص موسى بن عمران -صلوات الله عليه- على قوم قصة، فزعق واحد منهم، فانتهره موسى فأوحى الله -تعالى- إليه: يا موسى بطيبي فاحوا، وبحبي باحوا، وبوجدي صاحوا، فلم تنكر على عبادي؟

وقيل: سمع الشبلي قائلا يقول: الخيار عشرة بدانق، فصاح وقال: إذا كان الخيار عشرة بدانق فكيف الشرار؟!

وقيل: إذا تغنت الحور العين في الجنة توردت الأشجار.

وقيل: كان عون بن عبد الله يأمر جارية له حسنة الصوت فتغني بصوت حزين حتى تبكي القوم.

وسئل أبو سليمان الداراني عن السماع، فقال: كل قلب يريد الصوت الحسن فهو ضعيف [ ص: 518 ] يداوى كما يداوى الصبي إذا أريد أن ينام، ثم قال أبو سليمان : إن الصوت الحسن لا يدخل في القلب شيئا، إنما يحرك من القلب ما فيه.

قال ابن أبي الحواري : صدق الله أبو سليمان : وقال الجريري : كونوا ربانيين أي: سماعين من الله، قائلين بالله تعالى.

وسئل بعضهم عن السماع، فقال: بروق تلمع، ثم تخمد، وأنوار تبدو، ثم تخفى، ما أحلاها لو بقيت مع صاحبها طرفة عين، ثم أنشأ يقول:


خطرة في السر منه خطرت     خطرة البرق ابتدى ثم اضمحل
أي زور لك لو قصدا سرى     وملم بك لو حقا فعل



وقيل: السماع فيه نصيب لكل عضو، فما يقع إلى العين تبكي، وما يقع إلى اللسان يصيح، وما يقع على اليد تمزق الثياب وتلطم، وما يقع إلى الرجل ترقص.

وقيل: مات بعض ملوك العجم وخلف ابنا صغيرا فأرادوا أن يبايعوه فقالوا: كيف نصل إلى معرفة عقله وذكائه، ثم توافقوا على أن يأتوا بقوال يقول شيئا، فإن أحسن الإصغاء علموا كياسته، فأتوا بقوال، فلما قال القوال شيئا ضحك الرضيع فقبلوا الأرض بين يديه وبايعوه.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: اجتمع أبو عمرو بن نجيد والنصراباذي والطبقة في موضع، فقال النصراباذي : أنا أقول: إذا اجتمع القوم فواحد يقول شيئا ويسكت الباقون، خير من أن يغتابوا أحدا، فقال أبو عمرو : لأن تغتاب ثلاثين سنة أنجى لك من أن تظهر في السماع ما لست به.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول: الناس في السماع ثلاثة: متسمع، ومستمع، وسامع، فالمتسمع يسمع بوقت، والمستمع يسمع بحال، والسامع يسمع بحق.

وسألت الأستاذ أبا علي الدقاق -رحمه الله تعالى- غير مرة شبه طلب رخصة في السماع، وكان يحيلني على ما يوجب الإمساك عنه، ثم بعد طول المعاودة قال: إن المشايخ قالوا: ما جمع قلبك إلى الله -سبحانه وتعالى- فلا بأس به.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد البصري قال: [ ص: 519 ]

حدثنا إسماعيل بن الفضل قال: حدثنا يحيى بن يعلى الرازي قال: حدثنا حفص بن عمر العمري قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن بدر قال: حدثنا هارون أبو حمزة ، عن العذافر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال أوحى الله -سبحانه وتعالى- إلى موسى -عليه السلام-: إني جعلت فيك عشرة آلاف سمع حتى سمعت كلامي، وعشرة آلاف لسان حتى أجبتني، وأحب ما تكون إلي وأقربه إذا أكثرت الصلاة على محمد -صلى الله عليه وسلم-

وقيل: رأى بعضهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقال: الغلط في هذا أكثر، يعني: به السماع.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا بكر النهاوندي يقول: سمعت عليا السائح يقول: سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: رأيت إبليس -لعنه الله- في المنام على بعض سطوح أولاس وأنا على سطح، وعلى يمينه جماعة، وعلى يساره جماعة، وعليهم ثياب نظاف، فقال لطائفة منهم: قولوا، فقالوا: وغنوا فاستفزعني طيبه، حتى هممت أن أطرح نفسي من السطح، ثم قال: ارقصوا، فرقصوا أطيب ما يكون، ثم قال لي: يا أبا الحارث ما أصبت شيئا أدخل به عليكم إلا هذا.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: اجتمعت ليلة مع الشبلي -رحمه الله تعالى- فقال القوال شيئا، فصاح الشبلي وتواجد قاعدا، فقيل له: يا أبا بكر ما لك من بين الجماعة قاعدا فقام وتواجد. وقال:


لي سكرتان وللندمان واحدة     شيء خصصت به من بينهم وحدي



وسمعته يقول: سمعت منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: جزت بقصر، فرأيت شابا حسن الوجه مطروحا وحوله ناس، فسألت عنه فقالوا: إنه جاز بهذا القصر وفيه جارية تغني:


كبرت همة عبد     طمعت في أن تراكا
أو ما حسب لعين     أن ترى من قد رآكا



فشهق شهقة ومات.

[ ص: 520 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية