صفحة جزء
وقال سهل بن عبد الله : أكبر الكرامات أن تبدل خلقا مذموما من أخلاقك.

سمعت محمد بن أحمد بن محمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي الصوفي يقول: سمعت ابن سالم يقول: سمعت أبي يقول: كان رجل يقال له عبد الرحمن بن أحمد يصحب سهل بن عبد الله فقال له يوما: ربما أتوضأ للصلاة فيسيل الماء بين يدي قضبان ذهب وفضة، فقال سهل: أما علمت أن الصبيان إذا بكوا يعطون خشخاشة ليشتغلوا بها؟ .

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: أخبرني جعفر بن محمد قال: حدثني الجنيد قال: دخلت على السري يوما، فقال لي: عصفور كان يجيء في كل يوم فأفت له الخبز فيأكل من يدي، فنزل وقتا من الأوقات فلم يسقط على يدي، فتذكرت في نفسي إيش السبب، فذكرت أني أكلت ملحا بأبزار، فقلت في نفسي: لا آكل بعدها، وأنا تائب منه، فسقط على يدي وأكل.

وحكى أبو عمرو الأنماطي قال: كنت مع أستاذي في البادية فأخذنا المطر فدخلنا مسجدا نستكن فيه، وكان السقف يكف، فصعدنا السطح ومعنا خشبة نريد إصلاح السقف، فقصر الخشب عن الجدار، فقال: أستاذي: مده فمددتها فركبت الحائط من هاهنا ومن هاهنا.

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت محمد بن أحمد النجار يقول: سمعت الرقي يقول: سمعت أبا بكر الدقاق يقول: كنت مارا في تيه بني إسرائيل، فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين للشريعة، فهتف بي هاتف من تحت شجرة: كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر.

وقال بعضهم: كنت عند خير النساج فجاءه رجل وقال: أيها الشيخ، رأيتك أمس وقد بعت الغزل بدرهمين، فجئت خلفك فحللتهما من طرف إزارك، وقد صارت يدي منقبضة على كفي. قال: فضحك خير وأومأ بيده إلى يدي ففتحها، ثم قال: امض واشتر [ ص: 535 ] بهما لعيالك شيئا، ولا تعد لمثله.

وحكي عن أحمد بن محمد السلمي قال: دخلت على ذي النون المصري يوما فرأيت بين يديه طستا من ذهب، وحوله الند والعنبر يسجر، فقال لي: أنت ممن يدخل على الملوك في حال بسطهم؟ ثم أعطاني درهما، فأنفقت منه إلى بلخ .

وحكي عن أبي سعيد الخراز قال: كنت في بعض أسفاري، وكان يظهر لي كل ثلاثة أيام شيء فكنت آكله وأستقل به، فمضى علي ثلاثة أيام وقتا من الأوقات ولم يظهر شيء فضعفت وجلست، فهتف بي هاتف: أيما أحب إليك سبب أو قوة؟ فقلت: القوة، فقمت من وقتي ومشيت اثني عشر يوما لم أذق شيئا ولم أضعف.

وعن المرتعش قال: سمعت الخواص يقول: تهت في البادية أياما فجاءني شخص وسلم علي، وقال لي: تهت؟ فقلت: نعم، فقال: ألا أدلك على الطريق؟ ومشى بين يدي خطوات، ثم غاب عن عيني، وإذا أنا على الجادة، فبعد ذلك ما تهت ولا أصابني في سفر جوع ولا عطش.

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت عمر بن يحيى الأردبيلي يقول: سمعت الرقي يقول: سمعت ابن الجلاء يقول: لما مات أبي ضحك عند المغتسل؛ فلم يجسر أحد يغسله وقالوا: إنه حي، حتى جاء واحد من أقرانه وغسله.

وسمعت محمد بن أحمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت طلحة القصائري يقول: سمعت المفتاحي صاحب سهل بن عبد الله يقول: كان سهل يصبر عن الطعام سبعين يوما، وكان إذا أكل ضعف وإذا جاع قوي.

وكان أبو عبيد البسري إذا كان أول شهر رمضان يدخل بيتا ويقول لامرأته: طيني على الباب وألقي إلي كل ليلة من الكوة رغيفا، فإذا كان يوم العيد فتح الباب ودخلت امرأته البيت فإذا بثلاثين رغيفا في زاوية البيت فلا أكل، ولا شرب، ولا نام، ولا فاتته ركعة من الصلاة.

[ ص: 536 ]

وقال أبو الحارث الأولاسي مكثت ثلاثين سنة ما يسمع لساني إلا من سري، ثم تغيرت الحال، فمكثت ثلاثين سنة لا يسمع سري إلا من ربي.

حدثنا محمد بن عبد الله الصوفي قال: حدثنا أبو الحسن غلام شعوانة قال: سمعت علي بن سالم يقول: كان سهل بن عبد الله أصابته زمانة في آخر عمره، فكان إذا حضر وقت الصلاة انتشرت يداه ورجلاه، فإذا فرغ من الفرض عاد إلى حال الزمانة.

وحكي عن أبي عمران الواسطي قال: انكسرت السفينة وبقيت أنا وامرأتي على لوح، وقد ولدت في تلك الحالة صبية، فصاحت بي وقالت لي: يقتلني العطش، فقلت: هو ذا يرى حالنا، فرفعت رأسي، فإذا رجل في الهواء جالس وفي يده سلسلة من ذهب، وفيها كوز من ياقوت أحمر، وقال: هاك اشربا. قال: فأخذت الكوز وشربنا منه فإذا هو أطيب من المسك، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، فقلت: من أنت رحمك الله؟

فقال: عبد لمولاك؟ فقلت: بم وصلت إلى هذا؟

قال: تركت هواي لمرضاته، فأجلسني في الهواء، ثم غاب عني ولم أره.

أخبرنا محمد بن عبد الله الصوفي قال: حدثنا بكران بن أحمد الجيلي قال: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: رأيت شابا عند الكعبة يكثر الركوع والسجود، فدنوت منه وقلت: إنك تكثر الصلاة! ، فقال: أنتظر الإذن من ربي في الانصراف.

قال: فرأيت رقعة سقطت عليه مكتوب فيها: من العزيز الغفور إلى عبدي الصادق انصرف مغفورا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.

وقال بعضهم: كنت بمدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مسجده مع جماعة نتجارى الآيات، ورجل ضرير بالقرب منا يسمع، فتقدم إلينا وقال: أنست بكلامكم، اعلموا أنه كان لي صبية وعيال، وكنت أخرج إلى البقيع أحتطب، فخرجت يوما فرأيت شابا عليه قميص كتان، ونعله في أصبعه، فتوهمت أنه تائه، فقصدته أسلب ثوبه، فقلت له: انزع ما عليك، فقال: سر في حفظ الله، فقلت الثانية والثالثة، فقال: لا بد؟ فقلت: لا بد، فأشار بأصبعيه من بعيد إلى عيني فسقطتا، فقلت: بالله عليك من أنت؟ فقال: إبراهيم الخواص .

[ ص: 537 ]

وقال ذو النون المصري : كنت وقتا في السفينة فسرقت قطيفة، فاتهموا بها رجلا فقلت: دعوه حتى أرفق به، وإذا الشاب نائم في عباءة، فأخرج رأسه من العباءة، فقال له ذو النون: في ذلك المعنى، فقال ألي تقول ذلك؟ أقسمت عليك يا رب أن لا تدع واحدا من الحيتان إلا جاء بجوهرة. قال: فرأينا وجه الماء حيتانا في أفواههم الجوهر، ثم ألقى الفتى نفسه في البحر ومر إلى الساحل.

وحكي عن إبراهيم الخواص قال: دخلت البادية مرة فرأيت نصرانيا على وسطه زنار، فسألني الصحبة، فمشينا سبعة أيام، فقال لي: يا راهب الحنفية، هات ما عندك من الانبساط فقد جعنا، فقلت: إلهي لا تفضحني من هذا الكافر، فرأيت طبقا عليه خبز وشواء ورطب وكوز ماء، فأكلنا وشربنا ومشينا سبعة أيام، ثم بادرت، وقلت: يا راهب النصارى، هات ما عندك فقد انتهت النوبة إليك، فاتكأ على عصاه ودعا فإذا بطبقين عليهما أضعاف ما كان على طبقي، قال: فتحيرت وتغيرت وأبيت أن آكل، فألح علي فلم أجبه، فقال: كل فإني أبشرك ببشارتين: إحداهما: أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله وحل الزنار، والأخرى: أني قلت: اللهم إن كان لهذا العبد خطر عندك فافتح علي بهذا، ففتح، قال: فأكلنا ومشينا، وحج وأقمنا بمكة سنة، ثم إنه مات ودفن بالبطحاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية