صفحة جزء
أخبرنا محمد بن عبد الله الصوفي قال: حدثنا علي بن هارون قال: حدثنا علي بن أحمد التميمي قال: حدثنا جعفر بن القاسم الخواص قال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال: كنت عند أبي محفوظ معروف الكرخي فدعا لي، ورجعت إليه من الغد وفي وجهه أثر، فقال له إنسان: يا أبا محفوظ كنا عندك بالأمس ولم يكن بوجهك هذا الأثر، فما هذا؟ فقال: سل عما يعنيك، فقال الرجل: بمعبودك أن تقول، فقال: صليت البارحة هاهنا واشتهيت أن أطوف بالبيت فمضيت إلى مكة وطفت، ثم ملت على زمزم لأشرب من مائها فزلقت على الباب فأصاب وجهي ما تراه.

وقيل: كان عتبة الغلام يقعد فيقول: يا ورشان، إن كنت أطوع لله -عز وجل- مني فتعال واقعد على كفي، فيجيء الورشان ويقعد على كفه.

[ ص: 543 ]

وحكي عن أبي علي الرازي أنه قال: مررت يوما على الفرات، فعرضت لنفسي شهوة السمك الطري فإذا الماء قد قذف سمكة نحوي، وإذا رجل يعدو ويقول: أشويها لك؟ فقلت: نعم، فشواها فقعدت وأكلتها.

وقيل: كان إبراهيم بن أدهم في رفقة فعرض لهم السبع فقالوا: يا أبا إسحاق قد عرض لنا السبع، فجاء إبراهيم وقال: يا أسد، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض وإلا فارجع، فرجع الأسد ومضوا، وقال حامد الأسود : كنت مع الخواص في البرية، فبتنا عند شجرة، وجاء السبع فصعدت الشجرة إلى الصباح لا يأخذني النوم، ونام إبراهيم الخواص والسبع يشم من رأسه إلى قدمه، ثم مضى، فلما كانت الليلة الثانية بتنا في مسجد في قرية، فوقعت بقة على وجهه فضربته فأن أنة فقلت: هذا عجب البارحة لم تجزع من الأسد والليلة تصيح من البق، فقال: أما البارحة فتلك حالة كنت فيها بالله -عز وجل- وأما الليلة فهذه حالة أنا فيها بنفسي.

وحكي عن عطاء الأزرق أنه دفعت إليه امرأته درهمين من ثمن غزلها ليشتري الدقيق لهم، فخرج من بيته فلقي جارية تبكي، فقال لها: ما بالك؟ فقالت: دفع إلي مولاي درهمين أشتري لهم شيئا فسقطا مني، فأخاف أن يضربني، فدفع عطاء الدرهمين إليها، ومر وقعد على حانوت صديق له ممن يشق الساج، وذكر له الحال، وما يخاف من سوء خلق امرأته، فقال له صاحبه: خذ من هذه النشارة في هذا الجراب لعلكم تنتفعون بها في سجر التنور؛ إذ ليس يساعدني الإمكان في شيء آخر، فحمل النشارة وفتح باب داره، ورمى بالجراب ورد الباب، ودخل المسجد إلى ما بعد العتمة ليكون النوم أخذهم، ولا تستطيل عليه المرأة، فلما فتح الباب وجدهم يخبزون الخبز، فقال: من أين لكم هذا الخبز؟ فقالوا: من الدقيق الذي كان في الجراب، لا تشتر غير هذا الدقيق، قال: أفعل إن شاء الله تعالى.

[ ص: 544 ]

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر بن بركات يقول: كنت أجالس الفقراء، ففتح علي بدينار، فأردت أن أدفعه إليهم، ثم قلت في نفسي: لعلي أحتاج إليه، فهاج بي وجع الضرس فقلعت سنا، فوجعت الأخرى حتى قلعتها، فهتف بي هاتف: إن لم تدفع إليهم الدينار فلا يبقى في فمك سن واحدة.

قال الأستاذ: وهذا في باب الكرامة أتم من أن كان يفتح عليه دنانير كثيرة تنقض العادة.

وحكى أبو سليمان الداراني قال: خرج عامر بن عبد قيس إلى الشام ومعه شكوة إذا شاء صب منها ماء يتوضأ للصلاة، وإذا شاء صب منها لبنا يشربه.

وروى عثمان بن أبي العاتكة قال: كنا في غزاة في أرض الروم، فبعث الوالي سرية إلى موضع، وجعل الميعاد يوم كذا، قال: فجاء الميعاد ولم تقدم السرية، فبينا أبو مسلم يصلي إلى رمحه الذي ركزه في الأرض جاء طير إلى رأس السنان وقال: إن السرية قد سلمت وغنمت، وسيردون عليكم يوم كذا في وقت كذا، فقال أبو مسلم للطير: من أنت رحمك الله تعالى؟ فقال: أنا مذهب الحزن عن قلوب المؤمنين، فجاء أبو مسلم إلى الوالي وأخبره، فلما كان اليوم الذي قال أتت السرية على الوجه الذي قال.

وعن بعضهم قال: كنا في مركب، فمات رجل كان معنا عليل، فأخذنا في جهازه وأوردنا أن نلقيه في البحر، فصار البحر جافا ونزلت السفينة فخرجنا وحفرنا له قبرا ودفناه، فلما فرغنا استوى الماء، وارتفع المركب وسرنا.

[ ص: 545 ]

وقيل: إن الناس أصابتهم مجاعة بالبصرة فاشترى حبيب العجمي طعاما بالنسيئة، وفرقه على المساكين، وأخذ كيسه فجعله تحت رأسه، فلما جاءوا يتقاضونه أخذه وإذا هو مملوء دراهم فقضى منها ديونهم.

وقيل: أراد إبراهيم بن أدهم أن يركب السفينة فأبوا إلا أن يعطيهم دينارا، فصلى على الشط ركعتين، وقال: اللهم إنهم قد سألوني ما ليس عندي فصار الرمل دنانير.

حدثنا محمد بن عبد الله الصوفي قال: حدثنا عبد العزيز بن الفضل قال: حدثنا محمد بن أحمد المروزي قال: حدثنا عبد الله بن سليمان قال: قال أبو حمزة نصر بن الفرج خادم أبي معاوية الأسود قال: كان أبو معاوية ذهب بصره، فإذا أراد أن يقرأ نشر المصحف، فيرد الله عليه بصره، فإذا أطبق المصحف ذهب بصره.

وقال أحمد بن الهيثم المتطيب : قال لي بشر الحافي : قل لمعروف الكرخي : إذا صليت جئتك، قال: فأديت الرسالة وانتظرته، فصلينا الظهر ولم يجئ، ثم صلينا العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، فقلت في نفسي: سبحان الله مثل بشر يقول شيئا، ثم لا يفعل، لا يجوز أن يفعل، وانتظرته وأنا فوق مسجد على مشرعة، فجاء بشر بعد هوي من الليل، وعلى رأسه سجادة، فتقدم إلى دجلة ومشى على الماء، فرميت بنفسي من السطح وقبلت يديه ورجليه، وقلت: ادع لي فدعا لي، وقال: استره علي. قال: فلم أتكلم بهذا حتى مات.

أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: حدثنا أبو الفرج الورثاني قال: سمعت علي بن يعقوب بدمشق قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول: سمعت قاسما الجرعي يقول: رأيت رجلا في الطواف لا يزيد على قوله: إلهي قضيت حوائج الكل ولم تقض حاجتي، فقلت: ما لك لا تزيد على هذا الدعاء؟ فقال: أحدثك، اعلم أنا كنا سبعة أنفس من بلدان شتى، فخرجنا إلى الجهاد، فأسرنا الروم ومضوا بنا لنقتل، فرأيت سبعة أبواب فتحت من السماء، وعلى كل باب جارية حسناء من الحور العين، فقدم واحد منا فضربت عنقه، فرأيت جارية منهن هبطت إلى الأرض بيدها منديل فقبضت روحه، حتى ضرب أعناق ستة منا، فاستوهبني بعض رجالهم، فقالت الجارية: [ ص: 546 ]

أي شيء فاتك يا محروم؟ وغلقت الأبواب، فأنا يا أخي متأسف متحسر على ما فاتني، قال قاسم الجرعي : أراه أفضلهم؛ لأنه رأى ما لم يروا، وعمل على الشوق بعدهم.

وسمعته يقول: سمعت أبا النجم أحمد بن الحسين بخوزستان يقول: سمعت أبا بكر الكتاني يقول: كنت في طريق مكة في وسط السنة، فإذا أنا بهميان ملآن يلتمع دنانير، فهممت أن أحمله لأفرقه بمكة على الفقراء، فهتف بي هاتف: إن أخذته سلبناك فقرك.

حدثنا محمد بن حمد بن عبد الله الصوفي قال: حدثنا أحمد بن يوسف الخياط قال: سمعت أبا علي الروذباري يقول: سمعت أبا العباس الشرفي يقول: كنا مع أبي تراب النخشبي في طريق مكة ، فعدل عن الطريق إلى ناحية، فقال له بعض أصحابه: أنا عطشان فضرب برجله الأرض، فإذا عين من ماء زلال، فقال الفتى: أحب أن أشربه في قدح، فضرب بيده إلى الأرض فناوله قدحا من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت، فشرب وسقانا، وما زال القدح معنا إلى مكة فقال لي أبو تراب يوما: ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يكرم الله بها عباده؟ فقلت: ما رأيت أحدا إلا وهو يؤمن بها، فقال: من لم يؤمن بها فقد كفر، إنما سألتك من طريق الأحوال، فقلت: ما أعرف لهم قولا فيه. قال: بلى، قد زعم أصحابك أنها خدع من الحق، وليس الأمر كذلك، إنما الخدع في حال السكون إليها، فأما من لم يقترح من ذلك ولم يساكنها فتلك مرتبة الربانيين.

حدثنا محمد بن عبلة الصوفي قال: حدثنا أبو الفرج الورثاني قال: سمعت محمد بن الحسين الخلدي بطرسوس قال: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول: كنا في غرفة سري السقطي ببغداد ، فلما ذهب من الليل شيء لبس قميصا نظيفا وسراويل ورداء ونعلا، وقام ليخرج فقلت: إلى أين في هذا الوقت؟ فقال: أعود فتحا الموصلي ، [ ص: 547 ] فلما مشى في طرقات بغداد أخذه العسس وحبسوه، فلما كان من الغد أمر بضربه مع المحبوسين، فلما رفع الجلاد يده ليضربه وقفت يده فلم يقدر أن يحركها، فقيل للجلاد: اضرب، فقال: بحذائي شيخ واقف يقول: لا تضربه؛ فتقف يدي لا تتحرك، فنظروا من الرجل فإذا هو فتح الموصلي ؛ فلم يضربوه.

أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الحارث الخطابي قال: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا سعيد بن يحيى البصري قال: كان أناس من قريش يجلسون إلى عبد الواحد بن زيد فأتوه يوما وقالوا: إنا نخاف من الضيقة والحاجة، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهم إني أسألك باسمك المرتفع الذي تكرم به من شئت من أوليائك، وتلهمه الصفي من أحبابك أن تأتينا برزق من لدنك تقطع به علائق الشيطان من قلوبنا وقلوب أصحابنا هؤلاء، فأنت الحنان المنان القديم الإحسان، اللهم الساعة الساعة، قال: فسمعت والله قعقعة للسقف، ثم تناثرت علينا دنانير ودراهم، فقال عبد الواحد بن زيد : استغنوا بالله -عز وجل- عن غيره، فأخذوا ذلك ولم يأخذ عبد الواحد بن زيد شيئا.

سمعت أبا عبد الله الشيرازي يقول: سمعت أبا عبد الله بن علي الجوزي بجند يسابور قال: سمعت الكتاني يقول: رأيت بعض الصوفية، وكان غريبا ما كنت أثبته قد تقدم إلى الكعبة، وقال: يا رب ما أدري ما يقول هؤلاء -يعني الطائفين- فقيل له: انظر ما في هذه الرقعة، قال: فطارت الرقعة في الهواء وغابت.

وسمعته يقول: سمعت عبد الواحد بن بكر الورثاني يقول: سمعت محمد بن علي بن الحسين المقري بطرسوس يقول: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول: اشتهت والدتي على والدي يوما من الأيام سمكا، فمضى والدي إلى السوق وأنا معه، فاشترى سمكا، ووقف ينتظر من يحمله فرأى صبيا وقف بحذائه مع صبي، فقال: يا عم تريد من يحمله؟ فقال: نعم، فحمله ومشى معنا فسمعنا الأذان، فقال الصبي: أذن [ ص: 548 ] المؤذن وأحتاج أن أتطهر وأصلي، فإن رضيت وإلا فاحمل السمك، ووضع الصبي السمك ومر، فقال أبي: فنحن أولى أن نتوكل في السمك، فدخلنا المسجد فصلينا، وجاء الصبي وصلى، فلما خرجنا فإذا بالسمك موضوع مكانه، فحمله الصبي ومضى معنا إلى دارنا، فذكر والدي ذلك لوالدتي فقالت: قل له حتى يقيم عندنا ويأكل معنا، فقلنا له، فقال: إني صائم، فقلنا: فتعود إلينا بالعشي، فقال: إذا حملت مرة في اليوم لا أحمل ثانيا، ولكني سأدخل المسجد إلى المساء، ثم أدخل عليكم فمضى، فلما أمسينا دخل الصبي وأكلنا، فلما فرغنا دللناه على موضع الطهارة، ورأينا فيه أنه يؤثر الخلوة؛ فتركناه في بيت، فلما كان في بعض الليل كان لقريب لنا بنت زمنة فجاءت تمشي فسألناها عن حالها فقالت: قلت يا رب بحرمة ضيفنا أن تعافيني، فقمت. قالت: فمضينا لنطلب الصبي فإذا الأبواب مغلقة كما كانت ولم نجد الصبي، فقال أبي: فمنهم صغير، ومنهم كبير.

التالي السابق


الخدمات العلمية