صفحة جزء
باب رؤيا القوم

قال الله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قيل: هي الرؤيا الحسنة يراها المرء أو ترى له.

أخبرنا أبو الحسن الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد البصري قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم المنقري قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي صالح عن أبي الدرداء قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال -صلى الله عليه وسلم-: ما سألني عنها أحد قبلك، هي الرؤيا الحسنة يراها المرء، أو ترى له .

أخبرنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد زيد قال: حدثنا علي بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن الوليد عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتفل عن يساره وليتعوذ فإنها لن تضره .

أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكى قال: حدثنا أبو أحمد حمزة بن العباس البزار قال: حدثنا عياش بن محمد بن حاتم قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيد عن أبي عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي .

ومعنى الخبر: أن تلك الرؤيا رؤيا صدق، وتأويلها حق، وأن الرؤيا نوع من أنواع الكرامات، وتحقيق الرؤيا خواطر ترد على القلب، وأحوال تتصور في الوهم إذا لم يستغرق النوم جميع الاستشعار؛ فيتوهم الإنسان عند اليقظة أنه كان رؤية في الحقيقة، وإنما كان ذلك تصورا وأوهاما تقررت في قلوبهم، وحين زال عنهم الإحساس الظاهر تجردت تلك الأوهام عن المعلومات بالحس والضرورة، فقويت تلك الحالة عند صاحبها، فإذا استيقظ [ ص: 560 ] ضعفت تلك الأحوال التي تصورها، بالإضافة إلى حال إحساسه بالمشاهدات، وحصول العلوم الضرورية، ومثاله: كالذي يكون في ضوء السراج عند اشتداد الظلمة، فإذا طلعت الشمس عليه غلبت ضوء السراج، فيتقاصر نور السراج بالإضافة إلى ضياء الشمس، فمثال حال النوم كمن هو في ضوء السراج، ومثال المستيقظ كمن تعالى عليه النهار؛ فإن المستيقظ يتذكر ما كان متصورا له في حال نومه.

ثم إن تلك الأحاديث والخواطر التي كانت ترد على قلبه في حال نومه مرة تكون من قبل الشيطان، ومرة من هواجس النفس، ومرة بخواطر الملك، ومرة تكون تعريفا من الله -عز وجل- بخلق تلك الأحوال في قلبه ابتداء، وفي الخبر: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا.

واعلم أن النوم على أقسام: نوم غفلة، ونوم عادة وذلك غير محمود، بل هو معلول؛ لأنه أخو الموت، وفي بعض الأخبار المروية: النوم أخو الموت.

وقال الله -عز وجل-: وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ، وقال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وقيل: لو كان في النوم خير لكان في الجنة نوم.

وقيل: لما ألقى الله على آدم النوم في الجنة أخرج منه حواء، وكل بلاء به إنما حصل حين حصلت حواء.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: لما قال إبراهيم لإسماعيل -عليهما السلام-: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك .

قال: يا أبت هذا جزاء من نام عن حبيبه، ولو لم تنم لما أمرت بذبح الولد.

وقيل: أوحى الله -تعالى- إلى داود -عليه السلام-: كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني.

والنوم ضد العلم؛ ولهذا قال الشبلي : نعسة في ألف سنة فضيحة، وقال الشبلي : اطلع الحق علي، فقال: من نام غفل، ومن غفل حجب فكان [ ص: 561 ] الشبلي يكتحل بالملح بعده حتى كان لا يأخذه النوم، وفي معناه أنشدوا:


عجبا للمحب كيف ينام كل نوم على المحب حرام



وقيل: المريد: أكله فاقة، ونومه غلبة، وكلامه ضرورة.

وقيل: لما نام آدم -عليه السلام- بالحضرة، قيل له: هذه حواء لتسكن إليها، هذا جزاء من نام بالحضرة.

وقيل: إن كنت حاضرا فلا تنم؛ فإن النوم بالحضرة سوء أدب، وإن كنت غائبا فأنت من أهل الحسرة والمصيبة، والمصاب لا يأخذه نوم، وأما أهل المجاهدات فنومهم صدقة من الله عليهم، وأن الله -عز وجل- يباهي بالعبد إذا نام في سجوده يقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وجسده بين يدي.

وقال الأستاذ: أي: روحه في محل النجوى، وبدنه على بساط العبادة.

وقيل: كل من نام على الطهارة يؤذن لروحه أن تطوف بالعرش، وتسجد لله -عز وجل- قال الله تعالى: وجعلنا نومكم سباتا .

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: شكا رجل إلى بعض المشايخ من كثرة النوم، فقال: اذهب واشكر الله -تعالى- على العافية، فكم من مريض في شهوة غمضة من النوم الذي تشكو منه.

وقيل: لا شيء أشد على إبليس من نوم العاصي، يقول: متى ينتبه ويقوم حتى يعصي الله.

وقيل: أحسن أحوال العاصي أن ينام إن لم يكن الوقت له لم يكن عليه.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: تعود شاه الكرماني السهر فغلبه النوم مرة، فرأى الحق -سبحانه- في النوم، فكان يتكلف النوم بعد ذلك، فقيل له في ذلك، فقال:


رأيت سرور قلبي في منامي     فأحببت التنعس والمناما



وقيل: كان رجل له تلميذان، فاختلفا فيما بينهما، فقال أحدهما: النوم خير؛ لأن الإنسان لا يعصي في تلك الحالة، وقال الآخر: اليقظة خير؛ لأنه يعرف الله -تعالى- في تلك الحالة.

[ ص: 562 ] فتحاكما إلى ذلك الشيخ، فقال: أما أنت الذي قلت بتفضيل النوم فالموت خير لك من الحياة، وأما أنت الذي قلت بتفضيل اليقظة، فالحياة خير لك من الموت.

وقيل: اشترى رجل مملوكة فلما دخل الليل قال: افرشي الفراش، فقالت: المملوكة يا مولاي ألك مولى؟ قال: نعم، فقالت: ينام؟ قال: لا، قالت: ألا تستحي أن تنام ومولاك لا ينام.

وقيل: قالت بنية لسعيد بن جبير : لم لا تنام؟ فقال: إن جهنم لا تدعني أن أنام.

وقيل: قالت بنت لمالك بن دينار : لم لا تنام؟ فقال: إن أباك يخاف البيات.

وقيل: لما مات الربيع بن خيثم قالت بنية لأبيها: الأسطوانة التي كانت في دار جارنا أين ذهبت؟ فقال: إنه كان جارنا الصالح يقوم من أول الليل إلى آخره، فتوهمت البنية أنه كان سارية؛ لأنها كانت لا تصعد السطح إلا بالليل فتجده قائما.

وقال بعضهم: في النوم معان ليست في اليقظة منها: أنه يرى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والسلف الماضين في النوم، ولا يراهم في اليقظة، وكذلك يرى الحق في النوم، وهذه مزية عظيمة.

وقيل: رأى أبو بكر الآجري الحق -سبحانه- في النوم، فقال له: سل حاجتك، فقال: اللهم اغفر لجميع عصاة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أنا أولى بهذا منك، سل حاجتك.

وقال الكتاني : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقال لي: من تزين للناس بشيء يعلم الله -تعالى- منه خلافه شانه الله.

وقال الكتاني : أيضا رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقلت: ادع الله أن لا يميت قلبي، فقال: قل كل يوم أربعين مرة: يا حي، يا قيوم، لا إله إلا أنت؛ فإن الله يحيي قلبك.

ورأى الحسن بن علي -رضي الله عنهما- عيسى ابن مريم -عليهما السلام- في المنام، فقال: إني أريد أن أتخذ خاتما فما الذي أكتب عليه؟ فقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، فإنه في آخر الإنجيل.

وروي عن أبي يزيد أنه قال: رأيت ربي -عز وجل- في المنام فقلت: كيف الطريق إليك، فقال: اترك نفسك وتعال.

[ ص: 563 ] وقيل: رأى أحمد بن خضرويه ربه في المنام، فقال: يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد؛ فإنه يطلبني.

وقال يحيى بن سعيد القطان: رأيت ربي في المنام فقلت: يا رب كم أدعوك فلا تستجيب لي، فقال تعالى: يا يحيى إني أحب أن أسمع صوتك.

وقال بشر بن الحارث : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في المنام فقلت: يا أمير المؤمنين عظني، فقال: ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء؛ طلبا لثواب الله -تعالى-، وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء؛ ثقة بالله -تعالى-، فقلت له: يا أمير المؤمنين زدني، فقال:


قد كنت ميتا فصرت حيا     وعن قريب تصير ميتا
عز بدار الفناء بيت     فابن بدار البقاء بيتا



وقيل: رئي سفيان الثوري في المنام، فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: رحمني، فقيل: ما حال عبد الله بن المبارك؟ فقال: هو ممن يلج على ربه كل يوم مرتين.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: رأى الأستاذ أبو سهل الصعلوكي أبا سهل الزجاجي في المنام، وكان الزجاجي يقول بوعيد الأبد، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال الزجاجي: الأمر هاهنا أسهل مما كان نظنه.

ورئي الحسن بن عاصم الشيباني في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: ما يكون من الكريم إلا الكرم.

ورئي بعضهم في المنام فسئل عن حاله، فقال:


حاسبونا فدققوا     ثم منوا فـأعتقوا



ورئي حبيب العجمي في المنام فقيل له: مت يا حبيب العجمي ، فقال: هيهات ذهبت العجمة، وبقيت النعمة.

وقيل: دخل الحسن البصري مسجدا ليصلي فيه المغرب، فوجد إمامهم حبيبا العجمي فلم يصل خلفه؛ لأنه خاف أن يلحن لعجمة في لسانه، فرأى في المنام تلك الليلة قائلا يقول له: لم لم تصل خلفه؟ لو صليت خلفه لغفر لك ما تقدم من ذنبك. [ ص: 564 ]

ورئي مالك بن أنس في المنام فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عند رؤية الجنازة: سبحان الحي الذي لا يموت.

ورئي في الليلة التي مات فيها الحسن البصري كأن أبواب السماء مفتحة، وكأن مناديا ينادي: ألا إن الحسن البصري قدم على الله -تعالى- وهو عنه راض.

سمعت أبا بكر بن أشكيب يقول: رأيت الأستاذ أبا سهل الصعلوكي في المنام على حالة حسنة، فقلت: يا أستاذ بم وجدت هذا؟ فقال: بحسن ظني بربي.

وقيل: رئي الجاحظ في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال:


فلا تكتب بخطك غير شيء     يسرك في القيامة أن تراه



وقيل: رأى الجنيد إبليس في منامه عريانا، فقال له: ألا تستحي من الناس؟ فقال: هؤلاء لا ناس، إنما الناس أقوام في مسجد الشونيزية أضنوا جسدي، وأحرقوا كبدي، قال الجنيد : فلما انتبهت غدوت إلى المسجد فرأيت جماعة وضعوا رءوسهم على ركبهم متفكرين، فلما رأوني قالوا: لا يغرنك حديث الخبيث.

ورئي النصراباذي بمكة بعد وفاته في النوم فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: عوتبت عتاب الأشراف، ثم نوديت يا أبا القاسم أبعد الاتصال انفصال؟ فقلت: لا يا ذا الجلال، فما وضعت في اللحد حتى لحقت بالأحد.

ورئي ذو النون المصري في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: كنت أسأله ثلاث حوائج في الدنيا، فأعطاني البعض، وأرجو أن يعطيني الباقي: كنت أسأله أن يعطيني من العشرة التي على يد رضوان واحدا، ويعطيني بنفسه، وأن يعذبني عن الواحد الذي بيد مالك بعشرة ويتولى هو، وأن يرزقني أن أذكره بلسان الأبدية.

وقيل: رئي الشبلي في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: لم يطالبني بالبراهين على الدعاوى إلا على شيء واحد قلت: يوما لا خسارة أعظم من خسران الجنة ودخول النار، فقال لي: وأي خسارة أعظم من خسارة لقائي.

[ ص: 565 ]

سمعت الأستاذ أبا علي يقول: رأى الجريري الجنيد في المنام، فقال: كيف حالك يا أبا القاسم ؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وبادت تلك العبارات، وما نفعنا إلا تسبيحات كنا نقولها بالغدوات.

وقال النباجي : تشهيت يوما شيئا، فرأيت في المنام كأن قائلا يقول: أيجمل بالحر المريد أن يتذلل للعبيد، وهو يجد من مولاه ما يريد.

وقال ابن الجلاء : دخلت المدينة وبي فاقة، فتقدمت إلى القبر وقلت: أنا ضيفك فغفوت، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أعطاني رغيفا، فأكلت نصفه، وانتبهت وبيدي النصف الآخر.

وقال بعضهم: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام يقول: زوروا ابن عون فإنه يحب الله ورسوله.

وقيل: رأى عتبة الغلام حوراء في المنام على صورة حسنة فقالت له: يا عتبة أنا لك عاشقة، فانظر أن لا تعمل من الأعمال شيئا يحال بيني وبينك، فقال عتبة: طلقت الدنيا ثلاثا لا رجعة لي عليها حتى ألقاك.

سمعت منصورا المغربي يقول: رأيت شيخا في بلاد الشام كبير الشأن، وكان الغالب عليه الانقباض، فقيل لي: إن أردت أن ينبسط هذا الشيخ معك فسلم عليه، وقل: رزقك الله الحور العين؛ فإنه يرضى منك بهذا الدعاء، فسألت عن سببه فقيل: إنه رأى شيئا من الحور في منامه، فبقي في قلبه شيء من ذلك، فمضيت وسلمت عليه، وقلت: رزقك الله الحور العين، فانبسط الشيخ معي.

وقيل: رأى أيوب السختياني جنازة عاص فدخل دهليزا؛ لئلا يحتاج إلى الصلاة عليها، فرأى بعضهم الميت في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال لي: قل لأيوب السختياني : قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق .

وقيل: رئي الليلة التي مات فيها مالك بن دينار كأن أبواب السماء قد فتحت وقائلا يقول: ألا إن مالك بن دينار أصبح من سكان الجنة.

وقال بعضهم: رأيت الليلة التي مات فيها داود الطائي نورا وملائكة صعودا وملائكة نزولا فقلت: أي ليلة هذه؟ فقالوا: ليلة مات فيها داود الطائي، وقد زخرفت الجنة لقدوم روحه.

[ ص: 566 ]

قال الأستاذ أبو القاسم : رأيت الأستاذ أبا علي الدقاق في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: ليس للمغفرة هنا كبير خطر، أقل من حضر هاهنا خطرا فلان أعطي كذا وكذا. وقع لي في المنام أن ذلك الإنسان الذي عناه قتل نفسا بغير حق.

وقيل: لما مات كرز بن وبرة رأى في المنام كأن أهل القبور خرجوا من قبورهم، وعليهم ثياب جدد بيض فقيل: ما هذا؟ قيل: إن أهل القبور كسوا ثيابا جددا لقدوم كرز عليهم.

ورئي يوسف بن الحسين في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بماذا؟ فقال: لأني ما خلطت جدا بهزل قط.

ورئي عبد الله الزراد في المنام، فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: أوقفني، وغفر لي كل ذنب أقررت به في الدنيا إلا واحدا استحييت أن أقر به، فوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي، فقيل له: وما ذاك؟ فقال: نظرت يوما إلى شخص جميل فاستحيت أن أذكره.

سمعت أبا سعيد الشحام يقول: رأيت الشيخ الإمام أبا الطيب سهلا الصعلوكي في المنام، فقلت: أيها الشيخ، فقال: دع الشيخ، فقلت: وتلك الأحوال التي شاهدتها؟ فقال: لم تغن عنا شيئا، فقلت: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: غفر لي بمسائل كانت يسأل عنها العجز فأجبتهم عنها.

سمعت أبا بكر الرشيدي الفقيه يقول: رأيت محمدا الطوسي المعلم في المنام، فقال: قل لأبي سعيد الصفار المؤدب :


وكنا على أن لا نحول عن الهوى     فقد، وحياة الحب حلتم وما حلنا
تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا     وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا
لعل الذي يقضي الأمور بعلمه     سيجمعنا بعد الممات كما كنا



[ ص: 567 ] قال: فانتبهت وقلت ذلك لأبي سعيد الصفار فقال: كنت أزور قبره كل يوم جمعة، فلم أزره هذه الجمعة.

وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت في المنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحوله جماعة من الفقراء، فبينما هو كذلك إذ نزل من السماء ملكان، وبيد أحدهما طستـ وبيد الآخر إبريق، فوضع الطست بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسل يده، ثم أمر الملكين حتى غسلوا أيديهم، ثم وضع الطست بين يدي، فقال أحدهما للآخر: لا تصب على يده؛ فإنه ليس منهمـ فقلت: يا رسول اللهـ أليس قد روي عنك أنك قلت: المرء مع من أحب؟ فقال: بلى، فقلت: وأنا أحبك وأحب هؤلاء الفقراء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: صب على يده فإنه منهم.

وحكي عن بعضهم أنه كان يقول أبدا: العافية العافية، فقيل له: ما معنى هذا الدعاء؟ فقال: كنت حمالا في ابتداء أمري، وكنت حملت يوما صدرا من الدقيق، فوضعته لأستريح، فكنت أقول: يا رب لو أعطيتني كل يوم رغيفين من غير تعب لكنت أكتفي بهما، فإذا رجلان يختصمان فتقدمت أصلح بينهما، فضرب أحدهما رأسي بشيء أراد أن يضرب به خصمه فدمي وجهي، فجاء صاحب الربع فأخذهما، فلما رآني ملوثا بالدم أخذني، وظن أنني ممن تشاجر فأدخلني السجن، وبقيت في السجن مدة أوتى كل يوم برغيفين، فرأيت ليلة في المنام قائلا يقول لي: إنك سألت الرغيفين كل يوم من غير نصب، ولم تسأل العافية، فانتبهت وقلت: العافية العافية، فرأيت باب السجن يقرع وقيل: أين عمر الحمال؟ فأطلقوني وخلوا سبيلي.

وحكي عن الكتاني أنه قال: كان عندنا رجل من أصحابنا هاجت عينه، فقيل له: ألا تعالجها؟ فقال: عزمت أن لا أعالجها حتى تبرأ. قال: رأيت في المنام كأن قائلا يقول: لو كان هذا العزم على أهل النار كلهم لأخرجناهم من النار.

وحكي عن الجنيد أنه قال: رأيت في المنام كأني أتكلم على الناس، فوقف علي ملك، فقال: أقرب ما تقرب به المتقربون إلى الله ماذا؟ فقلت: عمل خفي بميزان وفي. قال: فولى الملك عني وهو يقول: كلام موفق والله.

[ ص: 568 ]

وقال رجل للعلاء بن زياد : رأيت في النوم كأنك من أهل الجنة، فقال: لعل الشيطان أراد أمرا فعصمت منه، فأشخص إلي رجلا يعينه على مقصوده من إضلالي.

وقيل: رئي عطاء السلمي في النوم فقيل له: لقد كنت طويل الحزن، فما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: أما والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة وفرحا دائما، فقيل له: ففي أي الدرجات أنت؟ فقال: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين الآية.

وقيل: رئي الأوزاعي في المنام، فقال: ما رأيت هاهنا درجة أرفع من درجة العلماء، ثم درجة المحزونين.

وقال النباجي : قيل لي في المنام: من وثق بالله في رزقه زيد في حسن خلقه، وسمحت نفسه في نفقته، وقلت وساوسه في صلاته.

وقيل: رئيت زبيدة في المنام فقيل لها: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقالت: غفر لي، فقيل: بكثرة نفقتك في طريق مكة؟ فقالت: لا، أما إن أجرها عاد إلى أربابها، ولكن غفر لي بنيتي.

ورئي سفيان الثوري في المنام فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ قال: وضعت أول قدمي على الصراط والثاني في الجنة.

وقال أحمد بن أبي الحواري : رأيت في النوم جارية ما رأيت أحسن منها يتلألأ وجهها نورا، فقلت: ما أنور وجهك؟ فقالت: تذكر الليلة التي بكيت فيها؟ فقلت: نعم، فقالت: حملت إلي دمعتك فمسحت بها وجهي، فصار وجهي هكذا.

وقيل: رأى يزيد الرقاشي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقرأ عليه، فقال: هذه القراءة فأين البكاء؟

وقال الجنيد : رأيت في المنام كأن ملكين نزلا من السماء، فقال أحدهما لي: ما الصدق؟ فقلت: الوفاء بالعهد، فقال الآخر: صدق، ثم صعدا.

[ ص: 569 ] ورئي بشر الحافي في المنام فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: غفر لي، وقال: أما استحييت يا بشر مني، كنت تخافني كل ذلك الخوف.

وقيل: رئي أبو سليمان الداراني في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وما كان شيء أضر علي من إشارات القوم.

وقال علي بن الموفق : كنت أفكر يوما في سبب عيالي والفقر الذي بهم، فرأيت في المنام رقعة فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، يا ابن الموفق أتخشى الفقر وأنا ربك!! فلما كان وقت الغلس أتاني رجل بكيس فيه خمسة آلاف دينار، وقال: خذها إليك يا ضعيف اليقين.

وقال الجنيد : رأيت في المنام كأني واقف بين يدي الله تعالى، فقال لي: يا أبا القاسم من أين لك هذا الكلام الذي تقول؟ فقلت: لا أقول إلا حقا، فقال: صدقت.

وقال أبو بكر الكتاني : رأيت في المنام شابا لم أر أحسن منه، فقلت: من أنت؟ فقال: التقوى، قلت: فأين تسكن؟ قال: في كل قلب حزين، ثم التفت فإذا امرأة سوداء كأوحش ما يكون، فقلت: من أنت؟ فقالت: الضحك، فقلت: وأين تسكنين؟ فقالت: في كل قلب فرح مرح. قال: فانتبهت واعتقدت أن لا أضحك إلا غلبة.

وحكي عن أبي عبد الله بن خفيف أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام كأنه قال لي: من عرف طريقا إلى الله -تعالى- سلكه، ثم رجع عنه عذبه الله -تعالى- عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين.

ورئي الشبلي في المنام، فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: ناقشني حتى أيست، فلما رأى يأسي تغمدني برحمته.

وقال أبو عثمان المغربي : رأيت في النوم كأن قائلا يقول لي: يا أبا عثمان، اتق الله في الفقر، ولو في قدر سمسمة.

وقيل: كان لأبي سعيد الخراز ابن مات قبله فرآه في المنام، فقال له: يا بني أوصني، فقال: يا أبت لا تعامل الله على الجبن، فقال: يا بني زدني، فقال: لا تخالف الله -تعالى- فيما يطالبك به، فقال: زدني، فقال: لا تجعل بينك وبين الله قميصا. قال: فما لبس القميص ثلاثين سنة.

[ ص: 570 ] وقيل: كان بعضهم يقول في دعائه: اللهم الشيء الذي لا يضرك وينفعنا لا تمنعه عنا، فرأى في المنام كأنه قيل له: وأنت، فالشيء الذي يضرك ولا ينفعك فدعه.

وحكي عن أبي الفضل الأصبهاني أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقلت: يا رسول الله، سل الله أن لا يسلبني الإيمان، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ذاك شيء قد فرغ الله -تعالى- منه.

وحكي عن أبي سعيد الخراز ، قال: رأيت إبليس في المنام، فأخذت عصاي لأضربه فقيل لي: إنه لا يفزع منها، إنما يفزع من نور يكون في القلب.

وقال بعضهم: كنت أدعو لرابعة العدوية فرأيتها في النوم تقول: هداياك تأتينا على أطباق من نور، مخمرة بمناديل من نور.

ويروى عن سماك بن حرب أنه قال: كف بصري، فرأيت في المنام كأن قائلا يقول لي: ائت الفرات فانغمس فيه وافتح عينيك. قال: ففعلت فأبصرت.

وقيل: رئي بشر الحافي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: لما رأيت ربي -عز وجل-قال لي: مرحبا يا بشر، لقد توفيتك يوم توفيتك، وما على الأرض أحب إلي منك.

[ ص: 571 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية