صفحة جزء
ومنهم أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كان من المشايخ الكبار ، مجاب الدعوة، يستشفى بقبره ، يقول البغداديون: قبر معروف ترياق مجرب، وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، مات سنة مائتين، وقيل: سنة إحدى ومائتين، وكان أستاذ السري السقطي ، وقد قال له يوما: إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى ، يقول: كان معروف الكرخي أبواه نصرانيان فسلموا معروفا إلى مؤدبهم وهو صبي فكان المؤدب يقول له: قل: ثالث ثلاثة، فيقول: بل هو واحد ، فضربه المعلم يوما ضربا مبرحا ، فهرب معروف فكان أبواه ، يقولان: ليته يرجع إلينا على أي دين يشاء فنوافقه عليه، ثم إنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا ، ورجع إلى منزله ، ودق الباب ، فقيل: من بالباب؟ فقال: معروف، فقالوا: على أي دين جئت؟ فقال: على الدين الحنيفي ، فأسلم أبواه.

سمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا بكر الحربي يقول: سمعت سريا السقطي ، يقول: رأيت معروفا الكرخي في النوم كأنه تحت العرش فيقول الله عز وجل لملائكته: من هذا؟ فيقولون: أنت أعلم يا رب، [ ص: 43 ] فيقول: هذا معروف الكرخي سكر من حبي فلا يفيق إلا بلقائي.

وقال معروف: قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إياك أن تترك العمل ، فإن ذلك الذي يقربك إلى رضا مولاك، فقلت: وما ذلك العمل؟ فقال: دوام طاعة ربك وخدمة المسلمين والنصيحة لهم.

سمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي ، يقول: سمعت علي بن محمد الدلال يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبي ، يقول: رأيت معروفا الكرخي في النوم بعد موته ، فقلت له: ماذا فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ، فقلت: بزهدك وورعك؟ فقال: لا بقبولي موعظة ابن السماك ولزوم الفقر ومحبتي للفقراء، وموعظة ابن السماك ما قاله معروف كنت مارا بالكوفة ، فوقفت على رجل ، يقال له: ابن السماك وهو يعظ الناس ، فقال في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله برحمته إليه، ، وأقبل بجميع وجوه الخلق إليه، ومن كان مرة ومرة، فالله يرحمه وقتا ما ، فوقع كلامه في قلبي ، فأقبلت على الله تعالى ، وتركت جميع ما كنت عليه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا ، وذكرت هذا الكلام لمولاي، فقال: يكفيك بهذا موعظة إن اتعظت، أخبرني بهذه الحكاية محمد بن الحسين ، قال: سمعت عبد الرحيم بن علي الحافظ ببغداد ، يقول: سمعت محمد بن عمر بن الفضل ، يقول: سمعت علي بن عيسى ، يقول: سمعت سريا السقطي ، يقول: سمعت معروفا ، يقول ذلك، وقيل لمعروف في مرض موته: أوص ، [ ص: 44 ] فقال: إذا مت فتصدقوا بقميصي ، فإني أريد أن أخرج من الدنيا عريانا كما دخلتها عريانا، ومر معروف بسقاء ، يقول: رحم الله من يشرب وكان صائما فتقدم ، فشرب ، فقيل له: ألم تكن صائما؟ ، فقال: بلى ، ولكني رجوت دعاءه. [ ص: 45 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية