ومن ذلك:
الصحو والسكر
فالصحو رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة والسكر غيبة بوارد قوي والسكر زيادة على الغيبة من وجه، وذلك أن صاحب السكر قد يكون مبسوطا إذا لم يكن مستوفيا في سكره، وقد يسقط إخطار الأشياء عن قلبه في حال سكره، وتلك حال المتساكر الذي لم يستوفه الوارد فيكون للإحساس فيه مساغ وقد يقوى سكره حتى يزيد على الغيبة، فربما يكون صاحب السكر أشد غيبة من صاحب الغيبة إذا قوي سكره، وربما يكون صاحب الغيبة أتم في الغيبة من صاحب السكر إذا كان متساكرا غير مستوف، والغيبة قد تكون للعبادة بما يغلب على قلوبهم من موجب الرغبة والرهبة ومقتضيات الخوف والرجاء، والسكر لا يكون إلا لأصحاب المواجد، فإذا كوشف العبد بنعت الجمال حصل السكر، وطاب الروح، وهام القلب وفي معناه أنشدوا:
فضحوك من لفظي هو الوصل كله وسكرك من لحظي يبيح لك الشرابا فما مل ساقيها وما مل شارب
عقار لحاظ كأسه يسكر اللبا
وأنشدوا:
فأسكر القوم دور كأس وكان سكري من المدير
وأنشدوا:
لي سكرتان وللندمان واحدة شيء خصصت به من بينهم وحدي
وأنشدوا:
[ ص: 177 ] سكران سكر هوى وسكر مدامة فمتى يفيق فتى به سكران
واعلم أن
الصحو على حسب السكر، فمن كان سكره بحق كان صحوه بحق، ومن كان سكره بحظ مشوبا كان صحوه بحظ مصحوبا، ومن كان محقا في حاله كان محفوظا في سكره، والسكر والصحو يشيران إلى طرف من التفرقة، وإذا ظهر من سلطان الحقيقة علم فصفة العبد الثبور والقهر.
وفي معناه أنشدوا:
إذا طلع الصباح لنجم راح تساوى فيه سكران وصاح
قال الله تعالى:
فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا هذا مع رسالته وجلالة قدره خر صعقا وهذا مع صلابته وقوته صار دكا متكسرا والعبد في حال سكره يشاهد الحال وفي حال صحوه يشاهد العلم إلا أنه في حال سكره محفوظ لا بتكلفه وفي صحوه متحفظ بتصرفه والصحو والسكر بعد الذوق والشرب
[ ص: 178 ]