صفحة جزء
باب: أخفى .

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الرحمن، عن سعيد، عن النبي صلى الله عليه: "خير الذكر الخفي" .

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه: " أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، اقرأوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " .

حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح: "السنة أن تقطع اليد المستخفية، ولا تقطع اليد المستعلنة" قوله: "خير الذكر الخفي" ذهب قوم إلى أن الذكر: الدعاء، [ ص: 846 ] وقالوا: خيره ما أخفاه الرجل، والذي عندي أنه الشهرة، وانتشار خبر الرجل، فقال: خيره ما كان خفيا ليس بظاهر، لأن سعدا أجاب ابنه على نحو ما أراده عليه، ودعاه إليه من الظهور وطلب الخلافة، فحدثه بما سمع قوله: "ما أخفي لهم" هذا من الغيب والستر .

حدثنا محمد بن منهال، عن يزيد، عن أبي رجاء، عن الحسن: " أخفى لهم بالخفية خفية، وبالعلانية علانية قال الله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " فلم يختلف القراء والمفسرون أن ذلك ما ستره الله لهم .

حدثنا هارون، حدثنا ابن وهب، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب: "أخفوا لله أعمالا وأخفى لهم ثوابا، فلو قدموا عليه أقر تلك الأعين" .

[ ص: 847 ] حدثنا يحيى بن خلف، حدثنا معتمر، عن الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: قوله: ما أخفي لهم قال: "العبد يعمل سرا أسره إلى الله فأسر الله له قرة عين يوم القيامة" وقال تعالى: فإنه يعلم السر وأخفى فأجمع المفسرون أن السر: ما أسررته في نفسك، وأخفى من ذلك: ما لم تحدث به نفسك وقالوا أقوالا كلها ترجع إلى الكتمان لا الإظهار وكذلك بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل يعني ما يسترون وقال: "ويعلم ما يخفون وما يعلنون" وقال إبراهيم عليه السلام: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ومثل هذا كثير في القرآن، والعربية، والشعر وقال تميم بن أبي فيما أنشدنا عمرو، عن أبيه:

[ ص: 848 ]

لقد طال ما أخفيت حبك في الحشا وفي القلب حتى كاد في القلب يجرح     قديما ولم يعلم بذلك عالم
وإن كان موموقا يود وينصح



قوله: "تقطع اليد المستخفية" هذا ليس فيه اختلاف أنه من الاستخفاء: الاستتار والتغيب، كما قال الله تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله حدثنا سلمة، عن الفراء قال: استخفيت منك، ولا تقل: اختفيت أي: استترت، وأنشدنا مصعب:


غلا التمر واستخفى جبير وفرخت     عصافير في راءوقة المتثلم



وقال آخر:


وإنكما يا ابني جناب وجدتما     كمن دب يستخفي وفي الحلق جلجل



وأظنهم سموا الجن الخافي لاستتارهم .

[ ص: 849 ] أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: الخافي: الجن والجميع الخوافي والخوافي من السعف ما دون القبلة، وأهل المدينة يسمونها العواهن، والخوافي ما دون ريشات العشر التي من مقدم الجناح .

حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن أبي عبيدة، عن جعفر بن عمرو بن أمية: جاء رجل إلى أبي سفيان فقال: أنا أغتال محمدا صلى الله عليه، أنا دليل خريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأسوره ثم آخذ في عير عدوا " قال إبراهيم: والعير: الجبل أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي قال: الخوافي: السعفات اللواتي يلين القبلة عند أهل نجد، وهي العواهن عند أهل الحجاز وخوافي الريش قوادمه، الواحد خافية وقادمة قال الشاعر:

خوافي ريش بز عنهن منكب .

[ ص: 850 ] والخفية: غيضة ملتفة يتخذ فيها الأسد عريسته ويقال: بل هي موضع معروف من مسابع الأسد، وكذلك شرى قال:


أسود شرى لاقت أسود خفية     تساقين حتى كلهن حوارد



وقال الأشهب بن رميلة:


أسود كرا لاقت أسود خفية     تساقوا على حرد دماء الأساود



وعريسة الأسد: موضعه الذي يألفه ويأوي إليه قال:


يا طيئ السهل والأجبال موعدكم     كمبتغي الصيد في عريسة الأسد



والخفية: بئر كانت قديمة فاندفنت ثم حفرت والجميع خفايا والخفيات وخفت صوته من الجوع، وخفت الرجل: إذا مات وانقطع كلامه، وخافت الرجل بقراءته، وزرع خافت: لم يبلغ طوله والرجل يخافت المضغ، والإبل تخافت المضغ للجرية وأنشدنا أبو نصر: .

[ ص: 851 ]

يخافتن بعض المضغ من خيفة الردى     ويصغين للسمع انتصات القناقن



المعنى: أنه ذكر الأراوي أنهن يخافتن بعض مضغهن، أي يكتمن خيفة الردى: الهلاك، أن يسمع ذلك الصائد فيصيدهن ويصغين بأسماعهن للحس: يسمعنه وينصبن رءوسهن لذلك كما يفعل القناقن وهو المهندس إذا استمع ليعلم موضع الماء ليستخرجه وجميع القناقن قناقن .

[ ص: 852 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية