صفحة جزء
[ ص: 702 ] المسألة الثانية

‌‌إن هذه الفرق إن كانت افترقت بسبب موقع في العدواة والبغضاء ، فإما أن يكون راجعا إلى أمر هو معصية غير بدعة ، ومثاله أن يقع بين أهل الإسلام افتراق بسبب دنيوي ، كما يختلف مثلا أهل قرية مع قرية أخرى بسبب تعد في مال أو دم ، حتى تقع بينهم العدواة فيصيروا حزبين ، أو يختلفون في تقديم وال أو غير ذلك فيفترقون ، ومثل هذا محتمل ، وقد يشعر به .

من فارق الجماعة قيد شبر فميتته جاهلية وفي مثل هذا جاء في الحديث :

إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما وجاء في القرآن الكريم : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما إلى آخر القصة .

وأما أن يرجع إلى أمر هو بدعة ، كما افترق الخوارج من الأمة ببدعهم التي بنوا عليها في الفرقة ، وكالمهدي المغربي الخارج عن الأمة نصرا للحق في زعمه ، فابتدع أمورا سياسية وغيرها خرج بها عن السنة - كما تقدمت الإشارة إليه قبل - وهذا هو الذي تشير إليه الآيات المتقدمة والأحاديث ، لمطابقتها لمعنى الحديث . وإما أن يراد المعنيان معا .

[ ص: 703 ] فأما الأول ، فلا أعلم قائلا به ، وإن كان ممكنا في نفسه ، إذ لم أر أحدا خص هذه بما إذا افترقت الأمة بسبب أمر دنيوي لا بسبب بدعة ، وليس ثم دليل يدل على التخصيص ، لأن قوله عليه الصلاة والسلام : من فارق الجماعة قيد شبر الحديث ، لا يدل على الحصر . وكذلك : إذ بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهما ، وقد اختلفت الفرق في المراد بالجماعة المذكورة في الحديث حسبما يأتي ، فلم يكن منهم قائل بأن الفرقة المضادة للجماعة هي فرقة المعاصي غير البدع على الخصوص .

وأما الثاني : وهو أن يراد المعنيان معا ، فذلك أيضا ممكن ، إذ الفرقة المنبه عليها قد تحصل بسبب أمر دنيوي لا مدخل فيها للبدع، وإنما هي معاص ومخالفات كسائر المعاصي ، وإلى هذا المعنى يرشد قول الطبري في تفسير الجماعة - حسبما يأتي بحول الله - ويعضده حديث الترمذي :

ليأتين على أمتي من يصنع ذلك ( ؟ ) فجعل الغاية في اتباعهم ما هو معصية كما ترى .

وكذلك في الحديث الآخر :

لتتبعن سنن من كان قبلكم - إلى قوله - حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لاتبعتموهم فجعل الغاية ما ليس ببدعة .

[ ص: 704 ] وفي معجم البغوي عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة - رضي الله عنه - : أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء - قال : وما إمارة السفهاء ؟ - قال أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ، ولست منهم ، ولا يردون علي الحوض ، ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم ، ويردون علي الحوض الحديث .

وكل من لم يهتد بهديه ولا يستن بسنته فإما إلى بدعة أو معصية . فلا اختصاص بأحدهما ، غير أن الأكثر في نقل أرباب الكلام وغيرهم أن الفرقة المذكورة إنما هي بسبب الابتداع في الشرع على الخصوص ، وعلى ذلك حمل الحديث [ ص: 705 ] من تكلم عليه من العلماء ، ولم يعدوا منها المفترقين بسبب المعاصي التي ليست بدعا ، وعلى ذلك يقع التفريع إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية