صفحة جزء
وأما أن البدع مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام :

فلأنها تقتضي التفرق شيعا ، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم; حسبما تقدم في قوله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) .

وقوله : ( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .

[ ص: 157 ] وقوله : ( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) .

وقوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) .

وما أشبه ذلك من الآيات في هذا المعنى .

وقد بين عليه الصلاة والسلام أن فساد ذات البين هي الحالقة ، وأنها تحلق الدين ، وجميع هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوة عند وقوع الابتداع .

وأول شاهد عليه في الواقع قصة الخوارج ، إذ عادوا أهل الإسلام حتى صاروا يقتلونهم ويدعون الكفار; كما أخبر عنه [ الحديث ] الصحيح .

ثم يليهم كل من كان له صولة منهم بقرب الملوك; فإنهم تناولوا أهل السنة بكل نكال وعذاب وقتل أيضا ، حسبما بينه جميع أهل الأخبار .

ثم يليهم كل من ابتدع بدعة ، فإن من شأنهم أن يثبطوا الناس عن اتباع الشريعة ، ويذمونهم ، ويزعمون أنهم الأرجاس الأنجاس المكبين على الدنيا ، ويضعون عليهم شواهد الآيات في ذم الدنيا وذم المكبين عليها :

[ ص: 158 ] كما يروى عن عمرو بن عبيد : أنه قال : " لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على شراك نعل; ما أجزت شهادتهم " .

وعن معاذ بن معاذ; قال : قلت لعمرو بن عبيد : كيف حدث الحسن عن عثمان أنه ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء عدتها ؟ فقال : " إن فعل عثمان لم يكن سنة " .

وقيل له : كيف حدث الحسن عن سمرة في السكتتين ؟ فقال : " ما تصنع بسمرة ؟ ! قبح الله سمرة " اهـ .

بل قبح الله عمرو بن عبيد .

وسئل يوما عن شيء ؟ فأجاب فيه . قال الراوي : قلت : ليس هكذا يقول أصحابنا . قال : " ومن أصحابك لا أبا لك ؟ " ، قلت : أيوب ، ويونس ، وابن عون ، والتيمي . قال : " أولئك أنجاس أرجاس ، أموات غير أحياء " .

فهكذا أهل الضلال يسبون السلف الصالح; لعل بضاعتهم تنفق ، ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ) .

وأصل هذا الفساد من قبل الخوارج ، فهم أول من لعن السلف الصالح ، وتكفير الصحابة رضي الله عن الصحابة ، ومثل هذا كله يورث العداوة والبغضاء .

وأيضا; فإن فرقة النجاة وهم أهل السنة مأمورون بعداوة أهل البدع ، والتشريد بهم ، والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم بالقتل فما دونه ، [ ص: 159 ] وقد حذر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم حسبما تقدم ، وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء ، لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة بما أحدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين ، لا على التعادي مطلقا . كيف ونحن مأمورون بمعاداتهم وهم مأمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة ؟ !

التالي السابق


الخدمات العلمية