وأما أن  
المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى     :  
فلقوله تعالى : (  
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين     ) ; حسبما جاء في تفسير الآية عن بعض السلف ، وقد تقدم ، ووجهه ظاهر; لأن المتخذين للعجل إنما ضلوا به حتى عبدوه ، لما سمعوا من خواره ، ولما ألقى إليهم  
السامري  فيه ، فكان في حقهم شبهة خرجوا بها عن الحق الذي كان في أيديهم .  
قال الله تعالى : (  
وكذلك نجزي المفترين     ) ; فهو عموم فيهم وفيمن أشبههم ، من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله; حسبما أخبر في كتابه في قوله تعالى : (  
قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله     ) .   
[ ص: 167 ] فإذا كل من ابتدع في دين الله ، فهو ذليل حقير بسبب بدعته ، وإن ظهر لبادي الرأي عزه وجبروته ، فهم في أنفسهم أذلاء .  
وأيضا فإن الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال ، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين ، وفيما بعد ذلك ؟ حتى تلبسوا بالسلاطين ، ولاذوا بأهل الدنيا ، ومن لم يقدر على ذلك; استخفى ببدعته ، وهرب بها عن مخالطة الجمهور ، وعمل بأعمالها على التقية .  
وقد أخبر الله أن هؤلاء الذين اتخذوا العجل سينالهم ما وعدهم ، فأنجز الله وعده ، فقال : (  
وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله     ) .  
وصدق ذلك الواقع باليهود حيثما حلوا; في أي مكان وزمان كانوا ، لا يزالون أذلاء مقهورين : (  
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون     ) ، ومن جملة الاعتداء اتخاذهم العجل .  
هذا بالنسبة إلى الذلة ، وأما الغضب; فمضمون بصادق الأخبار ، فيخاف أن يكون المبتدع داخلا في حكم الغضب ، والله الواقي بفضله .