صفحة جزء
ومما يورد في هذا الموضع :

أن العلماء قسموا البدع بأقسام أحكام الشريعة الخمسة ، ولم يعدوها قسما واحدا مذموما ، فجعلوا منها ما هو واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرم .

وبسط ذلك القرافي بسطا شافيا وأصل ما أتى به من ذلك شيخه عز الدين بن عبد السلام ، وها أنا آتي به على نصه ، فقال :

" اعلم أن الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع ، نص على ذلك ابن أبي زيد وغيره ، والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام :

قسم واجب : وهو ما تناولته قواعد الوجوب وأدلته من الشرع; كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع ، فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا ، وإهمال ذلك حرام إجماعا ، فمثل هذا النوع لا ينبغي أن يختلف في وجوبه .

القسم الثاني المحرم : وهو كل بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة ، كالمكوس ، والمحدثات من المظالم ، والمحدثات المنافية لقواعد الشريعة; كتقديم الجهال على العلماء ، وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح بطريق التوريث ، وجعل المستند في ذلك كون المنصب كان لأبيه ، وهو في نفسه ليس بأهل .

[ ص: 242 ] القسم الثالث أن من البدع ما هو مندوب إليه : وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته; كصلاة التراويح ، ولإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم; بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس ، وكان الناس في زمن الصحابة رضي الله عنهم معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسبق الهجرة ، ثم اختل النظام ، وذهب ذلك القرن ، وجد قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور ، فتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح .

وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأكل خبز الشعير والملح ، ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم; لعلمه بأن الحالة التي هو عليها دون غيره لو عملها غيره لهان في نفوس الناس ولم يحترموه ، وتجاسروا عليه بالمخالفة ، فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى تحفظ النظام .

ولذلك لما قدم الشام; وجد معاوية بن أبي سفيان قد اتخذ الحجاب ، واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية ، وسلك ما سلكه الملوك ، فسأله عن ذلك ؟ فقال : " إنا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا " . فقال له : " لا آمرك ولا أنهاك " ، ومعناه : أنت أعلم بحالك : هل أنت محتاج إلى هذا فيكون ، أو غير محتاج إليه ؟

فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأمصار والقرون وأحوال أهلها ، فكذلك يحتاج إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديمة ، وربما وجبت في بعض الأحوال .

[ ص: 243 ] القسم الرابع : بدعة مكروهة : وهي ما تناولته أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها; كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادة .

ولذلك ورد في الصحيح [ شاهد ] خرجه مسلم وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام ، أو ليلة بقيام .

ومن هذا الباب الزيادة في المندوبات المحدودات; كما ورد في التسبيح عقب الفريضة ثلاثا وثلاثين ، فتفعل مائة ، وورد صاع في زكاة الفطر ، فيجعل - عشرة أصوع ; بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع ، وقلة أدب معه ، بل شأن العظماء إذا حددوا شيئا; وقف عنده وعد الخروج عنه قلة أدب .

والزيادة في الواجب أو عليه أشد في المنع; لأنه يؤدي إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه .

ولذلك نهى مالك رضي الله عنه عن إيصال ستة أيام من شوال; لئلا يعتقد أنها من رمضان .

وخرج أبو داود في " مسنده " : أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى الفرض ، وقام ليصلي ركعتين ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك ، فهكذا من قبلنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصاب الله بك يا ابن الخطاب ; يريد عمر : إن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض ، واعتقدوا الجميع واجبا ، وذلك تغيير [ ص: 244 ] للشرائع ، وهو حرام إجماعا .

القسم الخامس : البدع المباحة : وهي ما تناولته أدلة الإباحة وقواعدها من الشريعة ، كاتخاذ المناخل للدقيق ، ففي الآثار : أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل ; لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات ، فوسائله مباحة .

فالبدعة إذا عرضت تعرض على قواعد الشرع وأدلته ، فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به ، من إيجاب أو تحريم أو غيرها ، وإن نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر فيما يتقاضاها; كرهت; فإن الخير كله في الاتباع ، والشر كله في الابتداع انتهى ما ذكره القرافي .

وذكر شيخه في " قواعده " في فصل البدع منها بعدما قسم أحكامها إلى الخمسة : أن الطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة ، فإن دخلت في قواعد الإيجاب; فهي واجبة . . . . . . .

إلى أن قال : " وللبدع الواجبة أمثلة :

( أحدها ) : الاشتغال [ بـ ] الذي يفهم به كلام الله تعالى وكلام رسوله ، وذلك واجب; لأن حفظ الشريعة واجب .

( والثاني ) : حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة .

( والثالث ) : تدوين أصول الفقه .

( والرابع ) : الكلام في الجرح والتعديل لتمييز الصحيح من السقيم .

[ ص: 245 ] ثم قال : " وللبدع المحرمة أمثال : ( منها ) : مذهب القدرية ومذهب الجبرية والمرجئة والمجسمة ، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة .

قال : وللمندوب أمثلة : ( منها : ) إحداث الربط والمدارس وبناء القناطر ، ( ومنها : ) كل إحسان لم يعهد في الصدر الأول ، ( ومنها ) الكلام في دقائق التصوف والكلام في الجدل . ( ومنها ) جمع المحافل ، للاستدلال في المسائل ، إن قصد بذلك وجهه تعالى .

قال : وللمكروهة ؛ أمثلة : ( ومنها : ) زخرفة المساجد ، وتزويق المصاحف ، وأما تلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي فالأصح أنه من البدع المحرمة .

قال : " وللبدع المباحة أمثلة : ( ومنها : ) المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر ، ( ومنها : ) التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام ، وقد اختلف في بعض ذلك ، فجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ، وجعله آخرون من السنن المفعولة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده; كالاستعاذة والبسملة في الصلاة " ، انتهى محصول ما قال .

وهو يصرح مع ما قبله بأن البدع تنقسم بأقسام الشريعة ، فلا يصح أن تحمل أدلة ذم البدع على العموم ، بل لها مخصصات .

[ ص: 246 ] والجواب :

أن هذا التقسيم أمر مخترع ، لا يدل عليه دليل شرعي ، بل هو نفسه متدافع; لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي; لا من نصوص الشرع ، ولا من قواعده .

إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة; لما كان ثم بدعة ، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها ، فالجمع بين [ كون ] تلك الأشياء بدعا ، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين .

أما المكروه منها والمحرم; فمسلم من جهة كونها بدعا لا من جهة أخرى ، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته; لم يثبت بذلك كونه بدعة; لإمكان أن يكون معصية; كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها ، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم ألبتة ، إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه .

فما ذكر القرافي عن الأصحاب من الاتفاق على إنكار البدع صحيح ، وما قسمه فيها غير صحيح .

ومن العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف ومع معرفته بما يلزمه في خرق الإجماع .

وكأنه إنما اتبع في هذا التقسيم شيخه من غير تأمل; فإن كلام ابن عبد السلام ظاهر منه أنه سمى المصالح المرسلة بدعا; بناء والله أعلم على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة ، وإن كانت تلائم قواعد [ ص: 247 ] الشرع فمن هنالك جعل القواعد هي الدالة على استحسانها بتسمية لها بلفظ " البدع " ، وهو من حيث فقدان الدليل المعين على المسألة واستحسانها من حيث دخولها تحت القواعد ، ولما بنى على اعتماد تلك القواعد; استوت عنده مع الأعمال الداخلة تحت النصوص المعينة ، وصار من القائلين بالمصالح المرسلة ، وسماها بدعا في اللفظ; كما سمى عمر رضي الله عنه الجمع في قيام رمضان في المسجد بدعة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

أما القرافي; فلا عذر له في نقل تلك الأقسام على غير مراد شيخه ، ولا على مراد الناس; لأنه خالف الكل في ذلك التقسيم ، فصار مخالفا للإجماع .

ثم نقول :

أما قسم الواجب; فقد تقدم ما فيه آنفا ، فلا نعيده .

وأما قسم التحريم; فليس فيه ما هو بدعة هكذا بإطلاق ، بل ذلك كله مخالفة للأمر المشروع ، فلا يزيد على تحريم أكل المال بالباطل إلا من جهة كونه موضوعا على ميزان الأحكام الشرعية اللازمة; كالزكوات المفروضة ، والنفقات المقدرة ، وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى ، وقد تقدم في الباب الأول منه طرف .

فإذا; لا يصح أن يطلق القول في هذا القسم بأنه بدعة أن يقسم الأمر كذلك .

وأما قسم المندوب; فليس من البدع بحال :

[ ص: 248 ] وتبين ذلك بالنظر في الأمثلة التي مثل لها بصلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد ، فقد قام بها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ، واجتمع الناس خلفه .

فخرج أبو داود عن أبي ذر ; قال : صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان ، فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة; لم يقم بنا; فلما كانت الخامسة; قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلنا : يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة ؟ قال : فقال : " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " ، قال : فلما كانت الرابعة; لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ، قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور . ثم لم يقم بنا بقية الشهر .

ونحوه في الترمذي ، وقال فيه حسن صحيح .

لكنه عليه السلام لما خاف افتراضه على الأمة; أمسك عن ذلك ، ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة ، فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى القابلة ، فكثر الناس ، ثم اجتمعوا الليلة الثالثة أو الرابعة; فلم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح; قال : " قد رأيت الذي صنعتم ، فلم يمنعني من الخروج إلا أني [ ص: 249 ] خشيت أن يفرض عليكم ، وذلك في رمضان .

وخرجه مالك في الموطأ .

فتأملوا; ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة; فإن قيامه أولا بهم دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان ، وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقا; لأن زمانه كان زمان وحي وتشريع ، فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس بالإلزام ، فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم; رجع الأمر إلى أصله ، وقد ثبت الجواز فلا ناسخ له .

وإنما لم يقم ذلك أبو بكر رضي الله عنه لأحد أمرين : إما لأنه رأى أن قيام الناس آخر الليل وما هم به عليه كان أفضل عنده من جمعهم على إمام أول الليل ، ذكره الطرطوشي ، وإما لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع ، مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو آكد من صلاة التراويح .

فلما تمهد الإسلام في زمن عمر رضي الله عنه ، ورأى الناس في المسجد أوزاعا كما جاء في الخبر قال : لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان أمثل ، فلما تم له ذلك; نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل .

ثم اتفق السلف على صحة ذلك وإقراره ، والأمة لا تجتمع على ضلالة .

[ ص: 250 ] وقد نص الأصوليون أن الإجماع لا يكون إلا عن دليل شرعي .

فإن قيل : فقد سماها عمر رضي الله عنه بدعة وحسنها بقوله : نعمت البدعة هذه ، وإذا ثبتت بدعة مستحسنة في الشرع; ثبت مطلق الاستحسان في البدع .

فالجواب : إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال; من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه ، لا أنها بدعة في المعنى ، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار; فلا مشاحة في الأسامي ، وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه; لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه :

فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به; خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم " .

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال; رحمة بالأمة; وقال : إني لست كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، وواصل الناس بعده; لعلمهم بوجه علة النهي حسبما يأتي إن شاء الله تعالى .

وذكر القرافي من جملة الأمثلة إقامة صور الأئمة والقضاة . . . . إلخ ما قال ، وليس ذلك من قبيل البدع بسبيل :

أما أولا; فإن التجمل بالنسبة إلى ذوي الهيئات والمناصب الرفيعة مطلوب ، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يتجمل بها للوفود ، ومن العلة في ذلك ما قاله القرافي من أن ذلك أهيب وأوقع في النفوس التعظيم في الصدور ، [ ص: 251 ] ومثله التجمل للقاء العظماء; كما جاء في حديث أشج عبد القيس .

وأما ثانيا; فإن سلمنا أن لا دليل عليه بخصوصه; فهو من قبيل المصالح المرسلة ، وقد مر أنها ثابتة في الشرع .

وما قاله من أن عمر كان يأكل خبز الشعير ويفرض لعامله نصف شاة; فليس فيه تفخيم صورة الإمام ولا عدمه ، بل فرض له ما يحتاج إليه خاصة ، وإلا فنصف شاة لبعض العمال قد لا يكفيه; لكثرة عيال ، وطروق ضيف ، وسائر ما يحتاج إليه من لباس وركوب وغيرهما ، فذلك قريب من أكل الشعير في المعنى .

وأيضا; فإن ما يرجع إلى المأكول والمشروب لا تجمل فيه بالنسبة إلى الظهور للناس .

وقوله : " فكذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديمة ، وربما وجبت في بعض الأحوال " ; مفتقر إلى التأمل ، ففيه على الجملة أنه مناقض لقوله في آخر الفصل : " الخير كله في الاتباع ، والشر كله في الابتداع " ، مع ما ذكره قبله .

فهذا كلام يقتضي أن الابتداع شر كله ، فلا يمكن أن يجتمع مع فرض الوجوب ، وهو قد ذكر أن البدعة قد تجب ، وإذا وجبت; لزم العمل بها ، وهي لما فاتت ضمن الشر كله; فقد اجتمع فيها الأمر بها والأمر بتركها ، ولا يمكن فيهما الانفكاك وإن كانا من جهتين ; لأن الوقوع يستلزم الاجتماع ، وليسا كالصلاة في الدار المغصوبة; لأن الانفكاك في [ ص: 252 ] الوقوع ممكن ، وهاهنا إذا وجبت فإنما تجب على الخصوص ، وقد فرض أن الشر فيها على الخصوص; فلزم التناقض ، وأما على التفصيل; فإن تجديد الزخارف فيه من الخطأ ما لا يخفى .

وأما السياسات; فإن كانت جارية على مقتضى الدليل الشرعي; فليست ببدع ، وإن خرجت عن ذلك; فكيف يندب إليها ؟ وهي مسألة النزاع .

وذكر في قسم المكروه أشياء هي من قبيل البدع في الجملة ، ولا كلام فيها ، أو من قبيل الاحتياط على العبادات المحضة أن لا يزاد فيها ولا ينقص منها ، وذلك صحيح; لأن الزيادة فيها والنقصان منها بدع منكرة ، فحالتها وذرائعها يحتاط بها في جانب النهي .

وذكر في قسم المباح مسألة المناخل ، وليست في الحقيقة من البدع ، بل هي من باب التنعم ، ولا يقال فيمن تنعم بمباح : إنه قد ابتدع ، وإنما يرجع ذلك إذا اعتبر إلى جهة الإسراف في المأكول; لأن الإسراف كما يكون في جهة الكمية ، كذلك يكون في جهة الكيفية ، فالمناخل لا تعدو القسمين ، فإن كان الإسراف من ماله ، فإن كره ، وإلا اغتفر ، مع أن الأصل الجواز .

ومما يحكيه أهل التذكير من الآثار أن أول ما أحدث الناس أربعة أشياء : المناخل ، والشبع ، وغسل اليدين بالأشنان بعد الطعام ، والأكل على الموائد .

وهذا كله إن ثبت نقلا ليس ببدعة ، وإنما يرجع إلى أمر آخر [ ص: 253 ] وإن سلم أنه بدعة ؛ فلا نسلم أنها مباحة ، بل هي ضلالة ، ومنهي عنها ، ولكنا نقول بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية