صفحة جزء
ومثال ما يقع في النسل : ما ذكر من أنكحة الجاهلية التي كانت معهودة فيها ومعمولا بها ، ومتخذة فيها كالدين المنتسب والملة الجارية التي لا عهد بها في شريعة إبراهيم عليه السلام ولا غيره ، بل كانت من جملة ما اخترعوا وابتدعوا ، وهو على أنواع :

فجاء عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء :

الأول منها : نكاح الناس اليوم ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها .

والثاني : نكاح الاستبضاع ، كالرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها : أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه . ويعتزلها زوجها ولا يمسها [ ص: 524 ] أبدا حتى حملها من ذلك الرجل الذي يستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع .

والثالث : أن يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدلون على المرأة كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ومرت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع منهم رجل أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، تقول : قد عرفتم الذي كان من أمركم ، وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، فتسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها فلا يستطيع أن يمتنع منه الرجل .

والرابع : أن يجتمع الناس الكثيرون فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها وهن البغايا ، كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما ، فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لها القافة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك ، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم . وهذا الحديث في البخاري مذكور .

وكان لهم أيضا سنن أخر في النكاح خارجة عن المشروع كوراثة النساء كرها ، وكنكاح ما نكح الأب ، وأشباه ذلك ، جاهلية جارية مجرى المشروعات عندهم ، فمحا الإسلام ذلك كله والحمد لله .

[ ص: 525 ] ثم أتى بعض من نسب إلى الفرق ممن حرف التأويل في كتاب الله ، فأجاز نكاح أكثر من أربع نسوة ، إما اقتداء ـ في زعمه ـ بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث أحل له أكثر من ذلك أن يجمع بينهن ، ولم يلتفت إلى إجماع المسلمين أن ذلك خاص به عليه السلام ، وإما تحريفا لقوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع .

فأجاز الجمع بين تسع نسوة ، ذلك ، ولم يفهم المراد من الراوي ولا من قوله : مثنى وثلاث ورباع فأتى ببدعة أجراها في هذه الأمة لا دليل عليها ولا مستند فيها .

ويحكى عن الشيعة أنها تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عن أهل بيته ومن دان بحبهم جميع الأعمال ، وأنهم غير مكلفين إلا بما تطوعوا ، وأن المحظورات مباحة لهم كالخنزير والزنا والخمر وسائر الفواحش ، وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهن على المحتاجين رغبة في الأجر ، وينكحون ما شاءوا من الأخوات والبنات والأمهات ، لا حرج عليهم في ذلك ولا في تكثير النساء . وهؤلاء العبيدية الذين ملكوا مصر وإفريقية .

ومما يحكى عنهم في ذلك أنه يكون للمرأة ثلاثة أزواج وأكثر في بيت واحد يستدلونها وتنسب الولد لكل واحد منهم ، ويهنأ به كل واحد منهم ، كما التزمت الإباحية خرق هذا الحجاب بإطلاق ، وزعمت أن [ ص: 526 ] الأحكام الشرعية إنما هي خاصة بالعوام ، وأما الخواص منهم فقد ترقوا عن تلك المرتبة ، فالنساء بإطلاق حلال لهم ، كما أن جميع ما في الكون من رطب ويابس حلال لهم أيضا ، مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل : قاتلهم الله أنى يؤفكون فصاروا أضر على الدين من متبوعهم إبليس لعنهم الله ، كقوله :


وكنت امرأ من جند إبليس فانتهى بي الفسق حتى صار إبليس من جندي !     فلو مات قبلي كنت أحسن بعده
طرائق فسق ليس يحسنها بعدي !



التالي السابق


الخدمات العلمية