صفحة جزء
643 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا علي بن حمشاذ العدل ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، نا أبو الوليد، نا نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة ، قال: سئل ابن عباس عن الولدان ، في الجنة هم؟ قال: "حسبك ما اختصم فيه موسى والخضر" وفي هذين الحديثين الثابتين دلالة على صحة قول من زعم أن أمرهم موكول إلى ما علم الله منهم ، وفيها الدلالة على أن قوله: كل مولود يولد على الفطرة معناه على ما حكينا عن حماد بن سلمة ، وإسحاق بن إبراهيم ، أو على ما حكينا عن عبد الله بن المبارك ، وعلى مثل قوله دل قول الأوزاعي ومالك ، أو على ما حكينا عن الشافعي من أن المراد بالفطرة الخلقة. والمقصود من الخبر البيان أن لا حكم للطفل في نفسه ، إنما حكمه بأبويه ، وأراد حكم الدنيا ، لا حكم الآخرة ، ثم يكون حكم الآخرة على ما دل عليه آخر الخبر وذهب إليه من قبله من الأئمة ، وفيه وجه آخر ذكره أبو سليمان الخطابي رحمه الله وهو أن يكون معناه ، أن كل مولود من البشر في أول مبدإ الخلقة ، وأصل الجبلة على الفطرة السليمة ، والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها وخلى سبيله لاستمر على لزومها ، ولم ينتقل عنها إلى غيرها ، وذلك أن هذا الدين موجود حسنه في العقول ويسره في النفوس ، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره ، ويؤثره عليه لأنه من آفات النفوس النشوء والتقليد ، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره ولم يختر عليه ما سواه ، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم ، والميل إلى أديانهم ، فينزلون بذلك عن الفطرة السليمة ، وعن المحجة المستقيمة ، وحاصل المعنى من هذا الحديث إنما هو الثناء على هذا الدين ، والإخبار عن محله من العقول ، وحسن موقعه من النفوس ، وليس من [ ص: 361 ] إيجاب حكم الإيمان للمولود سبيل والله أعلم. قال الشيخ: وإلى قريب من هذا المعنى ذهب أبو عبد الله الحليمي رحمه الله قال: وقوله: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها يريد ما وصفه في عقولهم من إمكان معرفته ووحدانيته وقدسه بها ، ويكون المعنى: الزم ما في عقلك من هذا ، ولا تخالفه إلى غيره ثم قال جل وعز: لا تبديل لخلق الله أي: لا يقدر أحد على أن يبدل ما ركب الله في الناس من العقل الذي هو آلة التمييز والمعرفة ، والحجة به قائمة على كل من كفر وأشرك بالله شيئا من خلقه ، ولو كان المراد بالفطرة نفس الإسلام لكان قول الله جل وعز: لا تبديل لخلق الله راجعا إليه ، ولناقض ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه لأنه إذا كان مفطورا على الإسلام ، وكان الإسلام هو المراد بفطرة الله التي فطر الناس عليها ، ثم هوده أبواه أو نصراه أو مجساه فقد بدلا ما خلق الله عز وجل ، والله جل جلاله يقول: لا تبديل لخلق الله وفي هذا ما أبان أن ليس المراد بفطرة الله التي فطر الناس عليها الإسلام ، لكن ما يتوصل به إلى أن الإسلام هو الحق من دلالة العقل وهي التي لا يتهيأ لأحد تبديلها ، وإن ذهب ذاهب كانت هي بحالة حجة عليه وداعية له إلى الصراط المستقيم وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية