صفحة جزء
225 - أخبرنا أبو عبيد ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ومعاذ، عن ابن عون، قال: [ ص: 286 ] قلت للقاسم بن محمد: ينتهي أحدنا إلى الغدير ، وقد ولغ فيه الكلب ، ويشرب منه الحمار أنشرب منه ونتوضأ؟ فقال: "أينتظر أحدنا إذا انتهى إلى الغدير ، حتى يسأل عن أي كلب ولغ فيه ، وأي حمار شرب منه؟" .

قال أبو عبيد: وقد اختلف الناس في هذا الباب ، فكان مالك بن أنس ومن وافقه من أهل الحجاز ، لا يرون بسؤرها بأسا.

وأما سفيان وأهل العراق من أصحاب الرأي ، فإنهم يكرهون ذلك، ولكل واحد من الفريقين حجة: فمذهب الكارهين ، فيما أحسب ، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن أكل لحومها ، فرأوا أنها أنجاس لذلك. [ ص: 287 ]

ومع هذا أيضا: إنهم لما رأوه قد غلظ سؤر الكلب ، الذي ينتفع به للصيد والماشية ، حتى أوجب فيه سبعا ، كان سائر السباع بالنجاسة عندهم أحرى .

قال أبو عبيد: وأحسب حجة المترخصين فيه: تأويل القرآن: قوله عز وجل: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ، وابن عباس أنهما كانا يحتجان بها إذا سئلا عن لحومها.

وأحسبهم ، مع هذا ، لما علموا أن رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سؤر الهرة ، واضعا الإناء لها ، كان سائر السباع عندهم في السعة مثلها.

فهذان وجهان متضادان ، وإن الذي عندنا في أسآر السباع ، أني لا أرى أن أجعلها قياسا على واحد من المذهبين ، لأنهما شيئان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفان في الكلب والهر ، فمن مال إلى إحديهما كان هاجرا للأخرى ، وليست واحدة منهم أحق بالاتباع من صاحبتها ، ولكن الذي أختار في أسآرهما ، لم يأتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها تحليل ولا تحريم ، أن يكون سبيلها سبيل ما يختلف فيه ، أن نجتنب التطهر بها ، على وجه الثقة: الأخذ بالحيطة ، ما وجد صاحبها منها بدا ، وعنها غنى ، فإن اضطر إليها ، ولم يجد غيرها ، كان طهوره به عنه جازيا ، وكانت الصلاة تامة ، لا أعلم في السباع وجها أدنى إلى القصد والسلامة منه ، وليس يدخل الكلب والهر في [ ص: 288 ] شيء منها ، لأن ذينك قد خصتهما السنة بشيء ، وفرقت بينهما ، فنحن عليها فيهما.

ويكون في الوجه الثالث الذي وصفناه من هذه السباع على ما اقتصصنا ، وتستوي عندنا في ذلك وحشيها وقنيها ، فالوحشية منها: الأسد والنمار والذئاب والثعالب ، والقنية: الفهود التي تتخذ للصيد ، وكذلك سائر الطير ، مثل الصقور والبزاة والعقبان.

التالي السابق


الخدمات العلمية