صفحة جزء
165 - ( 14 ) - حديث بسرة بنت صفوان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من مس ذكره فليتوضأ } مالك والشافعي عنه وأحمد [ ص: 214 ] والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود ، من حديثها ، وصححه الترمذي ، ونقل عن البخاري أنه أصح شيء في الباب . وقال أبو داود : وقلت لأحمد : حديث بسرة ليس بصحيح ؟

قال : بل هو صحيح . وقال الدارقطني : صحيح ثابت ، وصححه أيضا يحيى بن معين ، فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي ، وقال البيهقي : هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان ، لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان ، فقد احتجا بجميع رواته ، واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث ، فهو على شرط البخاري بكل حال ، وقال الإسماعيلي في صحيحه ، في أواخر تفسير سورة آل عمران : إنه يلزم البخاري إخراجه ، فقد أخرج نظيره .

وغاية ما يعلل به هذا الحديث أنه من رواية عروة ، عن مروان ، عن بسرة ، وأن رواية من رواه عن عروة ، عن بسرة منقطعة ، فإن مروان حدث به عروة ، فاستراب عروة بذلك ، فأرسل مروان رجلا من حرسه إلى بسرة فعاد إليه بأنها ذكرت ذلك ، فرواية من رواه عن عروة ، عن بسرة منقطعة ، والواسطة بينه وبينها ، إما مروان وهو مطعون في عدالته ، أو حرسه وهو مجهول ، وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة ، بأن عروة سمعه من بسرة ، وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان : قال عروة : فذهبت إلى بسرة فسألتها ، فصدقته ، واستدل على ذلك برواية جماعة من الأئمة له ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن مروان بن بسرة ، قال عروة : ثم لقيت بسرة فصدقته ، وبمعنى هذا أجاب الدارقطني وابن حبان ، وقد أكثر ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم ، من [ ص: 215 ] سياق طرقه بما اجتمع لي في الأطراف التي جمعتها لكتبهم ، وبسط الدارقطني في علله ، الكلام عليه في نحو من كراسين ، وأما الطعن في مروان ، فقد قال ابن حزم : لا نعلم لمروان شيئا يجرح به قبل خروجه على ابن الزبير ، وعروة لم يلقه إلا قبل خروجه على أخيه .

( تنبيه ) نقل بعض المخالفين عن يحيى بن معين أنه قال : ثلاثة أحاديث لا تصح : حديث : مس الذكر " ، و " لا نكاح إلا بولي " و " كل مسكر حرام " ولا يعرف هذا عن ابن معين . وقد قال ابن الجوزي : إن هذا لا يثبت عن ابن معين ، وقد كان من مذهبه انتقاض الوضوء بمسه ، وقد روى الميموني عن يحيى بن معين أنه قال : إنما يطعن في حديث بسرة ، من لا يذهب إليه وفي سؤالات مضر بن محمد له ، قلت ليحيى : أي شيء صح في مس الذكر ؟ قال : حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة ، عن مروان ، عن بسرة ، فإنه يقول فيه : سمعت ; ولولا هذا لقلت : لا يصح فيه شيء ، فهذا يدل بتقدير ثبوت الحكاية المتقدمة عنه على أنه رجع عن ذلك ، وأثبت صحته بهذه الطريقة خاصة .

( تنبيه آخر ) طعن الطحاوي في رواية هشام بن عروة ، عن أبيه لهذا الحديث ، بأن هشاما لم يسمعه من أبيه ، إنما أخذه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وكذا قال النسائي : إن هشاما لم يسمع هذا من أبيه .

وقال الطبراني في الكبير : حدثنا علي بن عبد العزيز . حدثنا حجاج ، حدثنا همام ، عن هشام ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو ، عن عروة ، وهذه الرواية لا تدل على أن هشاما لم يسمعه من أبيه ، بل فيها أنه أدخل بينه وبينه واسطة ، والدليل على أنه سمعه من أبيه أيضا ، ما رواه الطبراني أيضا ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ; قال : قال شعبة : لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر ، قال يحيى : فسألت هشاما ; فقال : أخبرني أبي . ورواه الحاكم من طريق عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام ، حدثني أبي ، وكذا هو في [ ص: 216 ] مسند أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام ، حدثني أبي ، ورواه الجمهور من أصحاب هشام ، عنه عن أبيه بلا وساطة فهذا إما أن يكون هشام سمعه من أبي بكر ، عن أبيه ، ثم سمعه من أبيه ، فكان يحدث به تارة هكذا ، وتارة هكذا أو يكون سمعه من أبيه وثبته فيه أبو بكر ، فكان تارة يذكر أبا بكر .

وتارة لا يذكره ، وليست هذه العلة بقادحة عند المحققين . وفي الباب : عن جابر ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وزيد بن خالد ، وسعد بن أبي وقاص ، وأم حبيبة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وابن عباس ، وابن عمر وعلي بن طلق ، والنعمان بن بشير ، وأنس ، وأبي بن كعب ، ومعاوية بن حيدة ، وقبيصة ، وأروى بنت أنيس . أما حديث جابر : فذكره الترمذي ، وأخرجه ابن ماجه والأثرم ، وقال ابن عبد البر : إسناده صالح ، وقال الضياء : لا أعلم بإسناده بأسا ، وقال الشافعي : سمعت جماعة من الحفاظ ، غير ابن نافع يرسلونه . وأما حديث أبي هريرة : فذكره الترمذي ، وأخرجه الدارقطني وغيره ، وسيأتي . وأما حديث عبد الله بن عمرو : فذكره الترمذي ، ورواه أحمد [ ص: 217 ] والبيهقي ، من طريق بقية : حدثني محمد بن الوليد الزبيدي ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رفعه : { أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ }قال الترمذي في العلل عن البخاري : هو عندي صحيح .

وأما حديث زيد بن خالد الجهني : فذكره الترمذي وأخرجه أحمد والبزار ، من طريق عروة عنه ; قال البخاري : إنما رواه الزهري ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة ، عن بسرة . وقال ابن المديني : أخطأ فيه ابن إسحاق ، انتهى وأخرجه البيهقي في الخلافيات ، من طريق ابن جريج : حدثني الزهري ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة ، عن بسرة ، وزيد بن خالد ، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ، عن محمد بن بكر البرساني ، عن ابن جريج . وهذا إسناد صحيح . وأما حديث سعد بن أبي وقاص : فذكره الحاكم ، وأخرجه وأما حديث أم حبيبة فصححه أبو زرعة والحاكم ، وأعله البخاري بأن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان وكذا قال يحيى بن معين وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، والنسائي : إنه لم يسمع منه ، وخالفهم دحيم ، وهو أعرف بحديث الشاميين : فأثبت سماع مكحول من عنبسة ، وقال الخلال في العلل : صحح أحمد حديث أم حبيبة . أخرجه ابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث ، عن مكحول .

وقال ابن السكن : لا أعلم به علة . وأما حديث عائشة : فذكره الترمذي ، وأعله أبو حاتم ، وسيأتي من طريق الدارقطني . وأما حديث أم سلمة : فذكره الحاكم . [ ص: 218 ] وأما حديث ابن عباس : فرواه البيهقي من جهة ابن عدي في الكامل . وفي إسناده الضحاك بن حجوة ، وهو منكر الحديث . وأما حديث ابن عمر : فرواه الدارقطني والبيهقي من طريق إسحاق الفروي ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا ، والعمري ضعيف ، وله طريق أخرى ، أخرجها الحاكم وفيها عبد العزيز بن أبان ، وهو ضعيف ، وطريق أخرى أخرجها ابن عدي ، وفيها أيوب بن عتبة ، وفيه مقال . وأما حديث علي بن طلق : فأخرجه الطبراني وصححه . وأما حديث النعمان بن بشير : فذكره ابن منده ، وكذا حديث أنس ، وأبي بن كعب ، ومعاوية بن حيدة ، وقبيصة . وأما حديث أروى بنت أنيس : فذكره الترمذي ، ورواه البيهقي من طريق هشام أبي المقدام . عن هشام بن عروة ، عن أبيه عنها قال : وهذا خطأ . وسأل الترمذي البخاري عنه ، فقال : ما تصنع بهذا ؟ لا تشتغل به .

( فصل ) حديث طلق بن علي : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الذكر في الصلاة ، فقال : هل هو إلا بضعة منك }رواه أحمد وأصحاب السنن [ ص: 219 ] والدارقطني عمرو بن علي الفلاس ، وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة ، وروي عن ابن المديني أنه قال : هو عندنا أحسن من حديث بسرة . والطحاوي وقال : إسناده مستقيم غير مضطرب ، بخلاف حديث بسرة . وصححه أيضا ابن حبان ، والطبراني ، وابن حزم ، وضعفه الشافعي ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن الجوزي ، وادعى فيه النسخ ابن حبان ، والطبراني ، وابن العربي ، والحازمي وآخرون ، وأوضح ابن حبان وغيره ذلك ، والله أعلم .

وقال البيهقي : يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق : أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان ولم يحتجا بأحد من رواته ، وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته ، إلا أنهما لم يخرجاه ، للاختلاف فيه على عروة ، وعلى هشام بن عروة ، وقد بينا أن ذلك الاختلاف لا يمنع من الحكم بصحته ، وإن نزل عن شرط الشيخين ، وتقدم أيضا عن الإسماعيلي أنه ألزم البخاري إخراجه ، لإخراجه نظيره في الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية