صفحة جزء
227 - ( 5 ) - حديث : { افعلوا كل شيء إلا الجماع }قاله في تفسير قوله تعالى: { فاعتزلوا النساء في المحيض }هو مختصر من حديث طويل رواه مسلم من حديث أنس وفيه قصة ، وقيل : إن السائل عن ذلك هو أبو الدحداح . قاله الواقدي ، والصواب ما في الصحيح : أن السائل عن ذلك : أسيد بن الحضير ، [ ص: 291 ] وعباد بن بشر ، ولفظ مسلم : { اصنعوا كل شيء إلا النكاح }.

228 - ( 6 ) - قوله : { يستحب للواطئ في الحيض التصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم ، وبنصفه إن جامع في إدباره }; لورود الخبر بذلك ، ثم قال بعد ذلك : روي عن ابن عباس فذكر نحو ذلك ، وفي رواية : { إذا وطئها في إقبال الدم فدينار ، وإن وطئها في إدبار الدم بعد انقطاعه وقبل الغسل فعليه نصف دينار }وفي رواية : { إذا وقع بأهله وهي حائض ، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار }وفي رواية : { من أتى حائضا فليتصدق بدينار أو بنصف دينار }أما الرواية الأولى : فرواها البيهقي من حديث ابن جريج ، عن أبي أمية ، عن مقسم ، عن ابن عباس مرفوعا : { إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار ; وإذا أتاها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار }ورواها من حديث ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس موقوفا .

وأما الثانية : فرواها البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن عبد الكريم أبي أمية مرفوعا ، وجعل التفسير من قول مقسم ، فقال : فسر ذلك مقسم : { إن غشيها في الدم فدينار ، وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل فنصف دينار }. وأما الثالثة : فرواها الترمذي والبيهقي أيضا من هذا الوجه بلفظ : { إذا كان دما أحمر فدينار ، وإن كان دما أصفر فنصف دينار }ورواها الطبراني من طريق سفيان الثوري ، عن خصيف وعلي بن بذيمة . وعبد الكريم ، [ ص: 292 ] عن مقسم بلفظ { : من أتى امرأته وهي حائض فعليه دينار ، ومن أتاها في الصفرة فنصف دينار }ورواها الدارقطني من هذا الوجه فقال في الأول : في الدم . ورواه أبو يعلى ، والدارمي من طريق أبي جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بسنده ، في { رجل جامع امرأته وهي حائض فقال : إن كان دما عبيطا فليتصدق بدينار }الحديث . وأما الرابعة : فرواها ابن الجارود في المنتقى من طريق عبد الحميد ، عن مقسم ، عن ابن عباس { فليتصدق بدينار أو نصف دينار }ورواه أيضا أحمد وأصحاب السنن والدارقطني ، وله طرق في السنن غير هذه ، لكن شك شعبة في رفعه ، عن الحكم ، عن عبد الحميد .

( تنبيه ) قول الشافعي : جاء في رواية : { فليتصدق بدينار ونصف دينار }فيه تحريف ، وهو حذف الألف ، والصواب : { أو نصف دينار }كما تقدم ، وأما الروايات المتقدمة كلها فمدارها على عبد الكريم أبي أمية ، وهو مجمع على تركه ، إلا أنه توبع في بعضها من جهة خصيف ، ومن جهة علي بن بذيمة ، وفيهما مقال ، وأعلت الطرق كلها بالاضطراب ، وأما الأخيرة وهي رواية عبد الحميد فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح ; إلا مقسم فانفرد به البخاري ، لكنه ما أخرج له إلا حديثا واحدا في تفسير النساء قد توبع عليه ، وقد صححه الحاكم ، وابن القطان ، وابن دقيق العيد ، [ ص: 293 ] وقال الخلال عن أبي داود ، عن أحمد : ما أحسن حديث عبد الحميد . فقيل له : تذهب إليه ؟ قال : نعم وقال أبو داود : هي الرواية الصحيحة وربما لم يرفعه شعبة . وقال قاسم بن أصبغ : رفعه غندر . ثم إن هذا من جملة الأحاديث التي ثبت فيها سماع الحكم من مقسم ، وأما تضعيف ابن حزم لمقسم ، فقد نوزع فيه ، وقال فيه أبو حاتم : صالح الحديث . وقال ابن أبي حاتم في العلل : سألت أبي عنه فقال : اختلف الرواة فيه ، فمنهم من يوقفه ، ومنهم من يسنده ، وأما من حديث شعبة فإن يحيى بن سعيد أسنده وحكى عن شعبة أنه قال : أسنده لي الحكم مرة ، ووقفه مرة . وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعه ، ورواه الدارقطني من حديث شعبة موقوفا . وقال شعبة : أما حفظي فمرفوع ، وأما فلان ، وفلان ، وفلان ، فقالوا : غير مرفوع . وقال البيهقي : قال الشافعي في أحكام القرآن : لو كان هذا الحديث ثابتا لأخذنا به انتهى . والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا . وقال الخطابي : قال أكثر أهل العلم : لا شيء عليه . وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس . قال : والأصح أنه متصل مرفوع ، لكن الذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها . وقال ابن عبد البر : حجة من لم يوجب الكفارة باضطراب هذا الحديث وأن الذمة على البراءة ، ولا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه ، وذلك معدوم في هذه المسألة .

وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث ، والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه ، وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإلمام وهو الصواب ، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة ، وحديث القلتين ، ونحوهما ، وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب ، والتنقيح .

والخلاصة : أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه ، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم ، وتبع النووي في بعض ذلك ابن الصلاح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية