صفحة جزء
387 - ( 58 ) - حديث أبي حميد : { فلما رفع رأسه من السجدة الأولى ثنى رجله اليسرى وقعد عليها } أبو داود والترمذي وابن حبان في حديثه الطويل . قوله : والسنة أن يرفع رأسه مكبرا لما تقدم من الخبر . يريد ما قدمه في فصل الركوع عن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود }. أخرجه الترمذي .

قوله : وحكي قول آخر : أنه يضع قدميه ويجلس على صدورها . روي ذلك عن ابن عباس ، انتهى . [ ص: 464 ] حكاه البيهقي في المعرفة عن نص الشافعي في البويطي ، قال : ولعله يريد ما رواه مسلم عن طاوس . قلت : لابن عباس في الإقعاء على القدمين . فقال : هي السنة ، فقلنا له : إنا لنراه جفاء بالرجل ، فقال : بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، واستدركه الحاكم فوهم ، وقد تقدم . وللبيهقي عن ابن عمر : { أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول : إنه من السنة }وفيه عن ابن عمر ، وابن عباس أنهما كانا يقعيان ، وعن طاوس قال : رأيت العبادلة يقعون أسانيدها صحيحة .

واختلف العلماء في الجمع بين هذا ، وبين الأحاديث الواردة في النهي عن الإقعاء ، فجنح الخطابي ، والماوردي إلى أن الإقعاء منسوخ ، ولعل ابن عباس لم يبلغه النهي ، وجنح البيهقي إلى الجمع بينهما بأن الإقعاء ضربان : أحدهما : أن يضع أليته على عقبيه ، وتكون ركبتاه في الأرض ، وهذا هو الذي رواه ابن عباس وفعلته العبادلة ، ونص الشافعي في البويطي على استحبابه بين السجدتين لكن الصحيح أن الافتراش أفضل منه لكثرة الرواة له ولأنه أعون للمصلي وأحسن في هيئة الصلاة .

والثاني : أن يضع أليته ويديه على الأرض وينصب ساقيه ، وهذا هو الذي وردت الأحاديث بكراهته ، وتبع البيهقي على هذا الجمع ابن الصلاح ، والنووي ، وأنكرا على من ادعى فيهما النسخ ، وقالا : كيف ثبت النسخ مع عدم تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ ، وأما حديث أبي الجوزاء عن عائشة ، { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى عن عقب الشيطان ، وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى }فيحتمل أن يكون واردا للجلوس للتشهد الآخر فلا يكون منافيا للقعود على العقبين بين السجدتين .

( تنبيه ) : ضبط ابن عبد البر قولهم : جفاء بالرجل ، بكسر الراء وإسكان الجيم [ ص: 465 ] وغلط من ضبطه بفتح الراء وضم الجيم ، وخالفه الأكثرون ، وقال النووي : رد الجمهور على ابن عبد البر ، وقالوا : الصواب الضم ، وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه ، انتهى . ويؤيد ما ذهب إليه أبو عمر ما روى أحمد في مسنده في هذا الحديث بلفظ : " جفاء بالقدم " ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور ما رواه ابن أبي خيثمة بلفظ : { لنراه جفاء بالمرء } ، فالله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية