صفحة جزء
[ ص: 100 ] ( باب الجمع بين الصلاتين في السفر ) :



613 - ( 1 ) - حديث ابن عمر : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء }. متفق عليه من حديثه .

614 - ( 2 ) - حديث أنس : { أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر ، والعصر في السفر } ، متفق عليه من حديثه ، وفي رواية لمسلم : { كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما }. زاد في رواية أخرى : { ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حين يغيب الشفق }.

615 - ( 3 ) - قوله : ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كان سائرا في وقت الأولى أخرها إلى الثانية ، وإذا كان نازلا في وقت الأولى قدم الثانية إليها . هذا يجتمع من حديثين : أحدهما : الحديث الذي قبله فهو دليل الجملة الأولى . والثاني : في حديث جابر الطويل في صحيح مسلم وغيره ، فإن فيه : ثم . [ ص: 101 ] أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، وكان ذلك بعد الزوال . وسيأتي الحديث في الحج ، وورد في جمع التقديم أحاديث من حديث ابن عباس ، ومعاذ ، وعلي ، وأنس . فحديث ابن عباس رواه أحمد والدارقطني ، والبيهقي من طريق حسين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وحسين ضعيف ، واختلف عليه فيه ، وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف فيه ، إلا أن علته ضعف حسين ، ويقال : إن الترمذي حسنه ، وكأنه باعتبار المتابعة ، وغفل ابن العربي فصحح إسناده ، لكن له طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده ، عن أبي خالد الأحمر ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس .

وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن هشام بن عروة ، عن كريب ، عن ابن عباس نحوه . وحديث معاذ رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن حبان والحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي من حديث قتيبة ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان . [ ص: 102 ] في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل العصر ، وفي المغرب مثل ذلك ، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإن ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخر المغرب حتى ينزل العشاء ، ثم يجمع بينهما }. قال الترمذي : حسن غريب تفرد به قتيبة ، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، وليس فيه جمع التقديم الذي أخرجه مسلم . وقال أبو داود . هذا حديث منكر ، وليس في جمع التقديم حديث قائم . وقال أبو سعيد بن يونس : لم يحدث بهذا الحديث إلا قتيبة ، ويقال : إنه غلط فيه ، فغير بعض الأسماء وإن موضع يزيد بن أبي حبيب : أبو الزبير ، وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه : لا أعرفه من حديث يزيد ، والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث ، وأطنب الحاكم في علوم الحديث في بيان علة هذا الخبر ، فيراجع منه ، وحاصله أن البخاري سأل قتيبة مع من كتبته ؟ فقال : مع خالد المدائني . قال البخاري : كان خالد المدائني يدخل على الشيوخ - يعني يدخل - في روايتهم ما ليس منها ، وأعله ابن حزم بأنه معنعن ليزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، ولا يعرف له عنه رواية ، وله طريق أخرى عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ وساقه ، كذلك رواها أبو داود ، والنسائي ، والدارقطني ، والبيهقي ، وهشام لين الحديث ، وقد خالف أوثق الناس في أبي الزبير وهو الليث بن سعد ، وحديث علي رواه الدارقطني ، عن ابن عقدة بسند له من حديث أهل البيت ، وفي إسناده من لا يعرف ، وفيه أيضا المنذر القابوسي ، وهو ضعيف .

وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند . [ ص: 103 ] بإسناد آخر عن علي أنه كان يفعل ذلك ، وحديث أنس رواه الإسماعيلي ، والبيهقي ، من حديث إسحاق بن راهويه ، عن شبابة بن سوار ، عن الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فزالت الشمس ، صلى الظهر والعصر جميعا ، ثم ارتحل }. وإسناده صحيح قاله النووي ، وفي ذهني أن أبا داود أنكره على إسحاق ، ولكن له متابع رواه الحاكم في الأربعين له عن أبي العباس محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسحاق الصغاني ، عن حسان بن عبد الله ، عن المفضل بن فضالة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم نزل فجمع بينهما ، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل ، صلى الظهر والعصر ثم ركب }. وهو في الصحيحين من هذا الوجه بهذا السياق ، وليس فيها : { والعصر }وهي زيادة غريبة صحيحة الإسناد ، وقد صححه المنذري من هذا الوجه ، والعلائي ، وتعجب من الحاكم كونه لم يورده في المستدرك ، وله طريق أخرى رواها الطبراني في الأوسط حدثنا محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب الأصبهاني ، ثنا هارون بن عبد الله الحمال ، ثنا يعقوب بن محمد الزهري ، ثنا محمد بن سعدان ، ثنا ابن عجلان ، عن عبد الله بن الفضل ، عن أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر فزاغت الشمس قبل أن يرتحل ، صلى الظهر والعصر جميعا ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، جمع بينهما في أول العصر ، وكان يفعل ذلك في المغرب والعشاء }. وقال : تفرد به يعقوب بن محمد

616 - ( 4 ) - حديث ابن عمر : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر }. ليس له أصل ، وإنما ذكره البيهقي عن ابن عمر موقوفا عليه ، وذكره بعض الفقهاء عن يحيى بن واضح ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع عنه مرفوعا .

[ ص: 104 ] حديث ابن عباس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر }. متفق عليه بهذا . وله ألفاظ : منها لمسلم { جمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر }قيل لابن عباس . ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته وفي رواية للطبراني : { جمع بالمدينة من غير علة }قيل له : ما أراد بذلك ؟ قال : التوسع على أمته ، وأجاب أبو حامد عن هذا الجمع بأنه جمع صوري وهو أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ، ويقدم الثانية عقبها في أول وقتها . وهذا قد جاء صريحا في الصحيحين عن عمرو بن دينار قال : قلت : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال : وأنا أظن ذلك .

( تنبيه ) : ادعى إمام الحرمين في النهاية أن ذكر نفي المطر لم يرد في متن الحديث ، وهو دال على عدم مراجعته لكتب الحديث المشهورة فضلا عن غيرها . قوله : ولا يجوز الجمع بين الصبح وغيرها ، ولا بين العصر والمغرب ; لأنه لم يرد بذلك نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو كما قال .

618 - ( 6 ) قوله : ثبت { أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر ، وجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء }.

[ ص: 105 ] مسلم من حديث جابر الطويل ، وفيهما من حديث أسامة : { الجمع بمزدلفة } ، وللبخاري عن ابن عمر بذلك ، ورواه مسلم بمعناه .

619 - ( 7 ) - حديث : { ليس من البر الصيام في السفر }. متفق عليه من حديث جابر وفيه قصة .

620 - ( 8 ) - حديث : { خيار عباد الله الذي إذا سافروا قصروا }. أبو حاتم في العلل : حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم ، أنبأ إسرائيل ، عن خالد العبدي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر رفعه : { خياركم من قصر الصلاة في السفر ، وأفطر }. قال أبو حاتم : غالب بن فائد ليس به بأس ، ورواه أيضا عن سهل بن عثمان العسكري ، عن غالب نحوه ، ورواه الطبراني في الدعاء والأوسط من حديث ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بلفظ : { خير أمتي الذين إذا أساءوا استغفروا ، وإذا أحسنوا استبشروا ، وإذا سافروا قصروا ، وأفطروا }. ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب الأحكام له ، عن نصر بن علي ، عن عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ; قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ، وهو مرسل ، ورواه فيه أيضا عن إبراهيم بن حمزة ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن ابن حرملة ، عن سعيد بن المسيب بلفظ : { خيار أمتي من قصر الصلاة في السفر ، وأفطر }. وهذا رواه الشافعي عن ابن أبي يحيى ، عن ابن حرملة بلفظ : { خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة ، وأفطروا }. أو : { لم يصوموا }.

( تنبيه ) : احتج به الرافعي على أن القصر أفضل من الإتمام ، ويدل له حديث ابن عمر مرفوعا : { إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته }. أخرجه ابن خزيمة . [ ص: 106 ] وابن حبان في صحيحيهما .

وفي الباب عن أبي هريرة ، وابن عباس ، وعائشة أخرجها ابن عدي . ( * * * ) ( قوله ) : { أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بين الصلاتين والى بينهما ، وترك الرواتب بينهما }. هو مستفاد من حديث جابر في مسلم ، في عدة أحاديث : أنه لم يسبح بين صلاتي الجمع ، ولا على إثر واحدة منهما . منها حديث أسامة في الصحيح . ( * * * ) قوله : { أنه صلى الله عليه وسلم أمرنا بالإقامة بينهما }. لم أر فيه الأمر بالإقامة ، وإنما في حديث أسامة : { أنه أقام ولم يسبح بينهما }. ( * * * ) قوله : إن بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة ; فمنها ما هو بجنب المسجد ، ومنها ما هو بخلافه ، قال : فلعله حين جمع بالمطر لم يكن في البيت الملاصق ، انتهى .

وتبعه النووي في شرح المهذب ، فقال : كان بيت عائشة إلى المسجد ومعظم البيوت بخلافه ، وهذا يحتاج إلى نقل ، وقد وجد النقل بخلافه ، ففي الموطأ عن الثقة عنده أن الناس كانوا يدخلون حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته يصلون فيها الجمعة ، وكان المسجد يضيق عن أهله ، وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليست من المسجد ، ولكن أبوابها شارعة في المسجد . قوله : المشهور أنه لا جمع بالمرض ، والخوف ، والوحل ، إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم جمع بهذه الأشياء مع حدوثها في عصره . قلت : يمكن أن يستفاد ذلك من قول ابن عباس : أراد ألا يحرج أمته كما هو في الصحيح ، وكما تقدم للطبراني : أراد التوسع على أمته ، فإن مقتضاه الجمع عند كل مشقة ، وقد أمر المستحاضة .

[ ص: 107 ] بالجمع ، وجمع ابن عباس للشغل . ( * * * ) قوله : روي { أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ، ولا سفر ، ولا مطر }. متفق عليه ، وهو في الموطأ دون قوله : { ولا مطر }فتفرد بها مسلم ، واعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شيء من كتب الحديث ، بل المشهور : { من غير خوف ، ولا سفر }وفي رواية : { من غير خوف ولا مطر }وقد تقدم الكلام عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية