صفحة جزء
622 - ( 2 ) - حديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة بعد الزوال }. البخاري بلفظ : { حين تميل الشمس }. وعند الطبراني في الأوسط عنه : { كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نرجع فنقيل }. وفي رواية لمسلم { كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا [ ص: 111 ] زالت الشمس ، ثم نرجع نتتبع الفيء }.

حديث : { صلوا كما رأيتموني أصلي }. تقدم في الأذان وغيره .

قوله : لم تقم الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين إلا في موضع الإقامة ، ولم يقيموا الجمعة إلا في موضع واحد ، ولم يجمعوا إلا في المسجد الأعظم ، مع أنهم أقاموا العيد في الصحراء والبلد للضعفة ، وقبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة ، وما كانوا يصلون الجمعة ، ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها .

ذكر هذا مفرقا ، وكل هذه الأشياء المنفية مأخذها بالاستقراء ، فلم يكن بالمدينة مكان يجمع فيه إلا مسجد المدينة ، وبهذا صرح الشافعي كما سيأتي ، مع أنه قد ورد في بعض ما يخالف ذلك ، وفي بعض ما يوافقه أحاديث ضعيفة يحتج بها الخصوم ، وليست بأضعف من أحاديث كثيرة احتج بها أصحابنا ، منها حديث علي : { لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر }. ضعفه أحمد ، وحديث عبد الرحمن بن كعب في تجميع أسعد بن زرارة بهم في نقيع الخضمات سيأتي ، وحديث الترمذي من طريق رجل من أهل قباء ، عن أبيه وكان من الصحابة قال : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء }. فيه هذا المجهول ، ومن حديث أبي هريرة { الجمعة على من آواه الليل إلى أهله }. ضعفه أحمد والترمذي ، وله شاهد من حديث أبي قلابة مرسل رواه البيهقي ، والأحاديث التي تقدمت أول الباب فيها ما يؤخذ منه ذلك أيضا .

وروى البيهقي في المعرفة عن مغازي بن إسحاق بن عقبة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين ركب من بني عمرو بن عوف في هجرته إلى المدينة ، مر على بني سالم [ ص: 112 ] وهي قرية بين قباء والمدينة ، فأدركته الجمعة فصلى فيهم الجمعة ، وكانت أول جمعة صلاها حين قدم }.

ووصله ابن سعد من طريق الواقدي بأسانيد له ، وفيه : { أنهم كانوا حينئذ مائة رجل }. وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج : { أنه صلى الله عليه وسلم جمع في سفر وخطب على قوس }. وروى عبد الرزاق أيضا أن عمر بن عبد العزيز كان متبديا بالسويداء في إمارته على الحجاز فحضرت الجمعة فهيئوا له مجلسا من البطحاء ، ثم أذن بالصلاة ، فخرج فخطب وصلى ركعتين وجهر ، وقال : إن الإمام يجمع حيث كان .

وروى البيهقي في المعرفة من طريق جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى علي بن عدي : انظر كل قرية أهل قرار ، وليسوا بأهل عمود يتنقلون ، فأمر عليهم أميرا ، ثم مره فليجمع بهم . وقال ابن المنذر في الأوسط : روينا عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه من مكة والمدينة يجمعون ، فلا يعيب ذلك عليهم ، ثم ساقه موصولا . وروى سعيد بن منصور ، عن أبي هريرة : أن عمر كتب إليهم أن جمعوا حيث ما كنتم .

قوله : قال الشافعي : ولا يجمع في مصر وإن عظم ، ولا في مساجد ، إلا في مسجد واحد ، وذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك ، انتهى . وروى ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يقول : " لا جمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام " .

وروى أبو داود في المراسيل { عن بكير بن الأشج أنه كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجده صلى الله عليه وسلم ، يسمع أهلها تأذين بلال ، فيصلون في مساجدهم } ، زاد يحيى بن يحيى في روايته : { ولم يكونوا يصلون في شيء من تلك المساجد إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم }. أخرجه البيهقي في المعرفة ، ويشهد له صلاة أهل العوالي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة كما في الصحيح ، وصلاة أهل قباء معه ، كما رواه ابن ماجه [ ص: 113 ] وابن خزيمة ، وأخرج الترمذي من طريق رجل من أهل قباء ، عن أبيه ; قال : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء }.

وروى البيهقي : أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة . قال : ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شيء من مساجد المدينة ، ولا في القرى التي بقربها .

( تنبيه ) : قوله الرافعي والأصحاب : إن الشافعي دخل بغداد وهي تقام بها جمعتان . مردود بأن الجامع الآخر لم يكن حينئذ داخل سورها ، فقد قال الأثرم لأحمد : أجمع جمعتين في مصر ؟ قال : لا أعلم أحدا فعله . وقال ابن المنذر : لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين ، إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة ، واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات ، وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد . وذكر الخطيب في تاريخ بغداد : أن أول جمعة أحدثت في الإسلام في بلد مع قيام الجمعة القديمة ، في أيام المعتضد في دار الخلافة ، من غير بناء مسجد لإقامة الجمعة ; وسبب ذلك خشية الخلفاء على أنفسهم في المسجد العام ، وذلك في سنة ثمانين ومائتين ، ثم بني في أيام المكتفى مسجد فجمعوا فيه . وذكر ابن عساكر في مقدمة تاريخ دمشق : أن عمر كتب إلى أبي موسى وإلى عمرو بن العاص وإلى سعد بن أبي وقاص ، أن يتخذ مسجدا جامعا ومسجدا للقبائل ، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع ، فشهدوا الجمعة . وقال ابن المنذر : لا أعلم أحدا قال بتعداد الجمعة غير عطاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية