صفحة جزء
887 - ( 14 ) - حديث " { أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم في حجة الوداع }. البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث ابن عباس ، دون قوله : في حجة الوداع فإنا لم نرها صريحة في شيء من الأحاديث ، لكن لفظ البخاري : { احتجم وهو صائم ، واحتجم وهو محرم }. وله طرق عند النسائي غير هذه وهاها وأعلها ، واستشكل كونه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصيام والإحرام ; لأنه لم يكن شأنه التطوع بالصيام في السفر ، ولم يكن محرما إلا وهو مسافر ، ولم يسافر في رمضان إلى جهة الإحرام إلا في غزاة الفتح ، ولم يكن حينئذ محرما ، قلت : وفي الجملة الأولى نظر ، فما المانع من ذلك ، فلعله فعل مرة لبيان الجواز ، وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة ، ثم ظهر لي أن بعض الرواة جمع بين الأمرين في الذكر ، فأوهم أنهما وقعا معا ، والأصوب رواية البخاري : احتجم وهو صائم ، واحتجم وهو محرم . فيحمل على أن كل واحد [ ص: 367 ] منهما وقع في حالة مستقلة ، وهذا لا مانع ، منه فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صام في رمضان وهو مسافر . وهو في الصحيحين بلفظ : وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .

ويقوي ذلك : أن غالب الأحاديث ورد مفصلا . قال بعض الحفاظ : حديث ابن عباس روي على أربعة أوجه : الأول احتجم وهو محرم ، الثاني : احتجم وهو صائم ، الثالث : احتجم وهو صائم ، واحتجم وهو محرم ، الرابع : احتجم وهو صائم محرم ، فالأول روي من طرق شتى عن ابن عباس ، واتفقا عليه من حديث عبد الله ابن بحينة ، وفي النسائي وغيره من حديث أنس وجابر ، والثاني رواه أصحاب السنن من طريق الحكم ، عن مقسم عنه ، لكن أعل بأنه ليس من مسموع الحكم ، عن مقسم . وقد رواه ابن سعد من طريق الحجاج ، عن مقسم ، وزاد في آخره : فلذلك كرهت الحجامة للصائم والحجاج ضعيف ، ورواه البزار من طريق داود بن علي عن أبيه ، عن ابن عباس ، وزاد في آخره : فغشي عليه . والثالث : رواه البخاري ، والظاهر أن الراوي جمع بين الحديثين كما قدمناه ، والرابع رواه النسائي وغيره من طريق ميمون بن مهران عنه ، وأعله أحمد وعلي بن المديني وغيرهما ، قال مهنا : سألت أحمد عنه ، فقال : ليس فيه صائم إنما هو محرم .

قلت : من ذكره ؟ قال ابن عيينة ، عن عمرو ، عن [ ص: 368 ] عطاء ، وطاوس ، وروح عن زكريا ، عن عمرو ، عن طاوس وعبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، قال أحمد : فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما ، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه شريك ، عن عاصم ، عن الشعبي ، عن ابن عباس : أن { النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم }. فقال : هذا خطأ أخطأ فيه شريك ، إنما هو احتجم وأعطى الحجام أجره كذلك رواه جماعة عن عاصم ، وحدث به شريك من حفظه ، وكان ساء حفظه فغلط فيه : وروى قاسم بن أصبغ من طريق الحميدي ، عن سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس مثله ، ثم قال : قال الحميدي : هذا ريح لأنه لم يكن صائما محرما لأنه خرج في رمضان في غزاة الفتح ، ولم يكن محرما .

( تنبيه ) :

تقدم أن الذي زاده الرافعي في قوله في حجة الوداع : لم أره صريحا في طرق هذا الحديث ، لكن ذكره الشافعي وابن عبد البر وغير واحد وفيه نظر ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان مفطرا ، كما صح أن أم الفضل أرسلت إليه بقدح لبن فشربه وهو واقف بعرفة .

وعلى تقدير وقوع ذلك فقد قال ابن خزيمة : هذا الخبر لا يدل على أن الحجامة لا تفطر الصائم ; لأنه إنما احتجم وهو صائم محرم في سفر لا في حضر ; لأنه لم يكن محرما مقيما ببلد ، قال : وللمسافر أن يفطر ولو نوى الصوم ومضى عليه بعض النهار ، خلافا لمن أبى ذلك ، ثم احتج لذلك ، لكن تعقب عليه الخطابي بأن قوله : وهو صائم ، دال على بقاء الصوم ، قلت : ولا مانع من إطلاق ذلك باعتبار ما كان حالة الاحتجام ; لأنه على هذا التأويل إنما أفطر بالاحتجام ، والله أعلم . ذكر الإشارة إلى طرق حديث أفطر الحاجم والمحجوم باختصار

فيه عن ثوبان ، وشداد بن أوس ، ورافع بن خديج ، وأبي موسى ، ومعقل بن يسار ، وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعلي ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وأنس ، وجابر ، وابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي يزيد الأنصاري ، وابن مسعود . [ ص: 369 ] وأما حديث ثوبان وشداد : فأخرجه أبو داود والنسائي ، وابن ماجه والحاكم وابن حبان من طريق يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، قال علي بن سعيد النسوي : سمعت أحمد يقول : هو أصح ما روي فيه .

وكذا قال الترمذي ، عن البخاري ، ورواه المذكورون من طريق يحيى بن أبي كثير أيضا عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث ، عن شداد بن أوس وصحح البخاري الطريقين تبعا لعلي بن المديني ، نقله الترمذي في العلل ، وقد استوعب النسائي طرق هذا الحديث في السنن الكبرى . وأما حديث رافع بن خديج : فرواه الترمذي من طريق معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم بن قارظ ، عن السائب بن يزيد ، عن رافع قال الترمذي : ذكر عن أحمد أنه قال : هو أصح شيء في هذا الباب ، وصححه ابن حبان والحاكم ، رواه الحاكم من طريق معاوية بن سلام أيضا عن يحيى ، لكن قال البخاري : هو غير محفوظ نقله الترمذي قال : وقلت لإسحاق بن منصور : ما علته ؟ قال : روى هشام الدستوائي ، عن يحيى ، عن إبراهيم بن قارظ ، عن السائب ، عن رافع حديث : { كسب الحجام خبيث }.

وبذلك جزم أبو حاتم وبالغ فقال : هو عندي من طريق رافع باطل ، ونقل عن يحيى بن معين أنه قال : هو أضعف أحاديث الباب . [ ص: 370 ] وأما حديث أبي موسى : فرواه النسائي والحاكم ، وصححه علي بن المديني ، وقال النسائي : رفعه خطأ ، والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة ، وعلقه البخاري ، ووصله الحاكم أيضا بدون ذكر : أفطر الحاجم والمحجوم . وأما حديث معقل بن يسار أو ابن سنان : فرواه النسائي وذكر الاختلاف فيه ، وكذا حديث بلال ، وحديث علي ، وقال علي بن المديني . اختلف فيه على الحسن ، فقال عطاء بن السائب عنه ، عن معقل بن سنان وقيل : ابن يسار ، وقال أشعث عنه ، عن أسامة ، وقال يونس نحوه ، وقال بعضهم : عنه ، عن علي ، وبعضهم عنه ، عن أبي هريرة ، وهو أبو حرة . وأما حديث عائشة : فرواه النسائي أيضا ، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف . وأما حديث أبي هريرة : فرواه النسائي وابن ماجه من طريق عبد الله بن بشير [ ص: 371 ] عن الأعمش ، عن أبي صالح عنه ، قال : ووقفه إبراهيم بن طهمان ، عن الأعمش ، وله طريق عن شقيق بن ثور ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وكلها عند النسائي ، وباقيها في الكامل والبزار وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية