صفحة جزء
64 - ( 2 ) - حديث : { لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك } [ ص: 101 ] متفق عليه من رواية أبي هريرة في حديث ، وله طرق وألفاظ ، ورواه مسلم من حديث أبي سعيد ، والبزار من حديث علي ، وابن حبان من حديث الحارث الأشعري ، وأحمد من حديث ابن مسعود ، والحسن بن سفيان من حديث جابر .

( تنبيه ) الخلوف بضم الخاء هو التغير في الفم قال عياض قيدناه عن المتقنين بالضم وأكثر المحدثين يفتحون خاءه وهو خطأ وعده الخطابي في غلطات المحدثين .

واختلف العلماء في معنى قوله سبحانه وتعالى : { إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به } على أقوال كثيرة بلغ بها أبو الخير الطالقاني إلى خمسة وخمسين قولا ، والمشهور منها أقوال :

الأول : أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلا الصوم فإنه أكثر .

الثاني : أنه يوم القيامة يأخذ خصماؤه جميع أعماله ; إلا الصوم فلا سبيل لهم عليه ، قاله ابن عيينة .

الثالث : أن الصوم لم يعبد به غير الله ، وما عداه من العبادات تقربوا به إلى آلهتهم .

الرابع : أن الصوم صبر ، والله تعالى يقول : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ، ووقع نزاع بين الإمامين أبي محمد بن عبد السلام ، وأبي عمرو بن الصلاح ، في أن هذا الطيب هل هو في الدنيا ، أو في الآخرة ؟ فقال ابن عبد السلام : [ ص: 102 ] في الآخرة خاصة ، لرواية مسلم : من ريح المسك يوم القيامة " وقال ابن الصلاح : عام في الدنيا والآخرة ، واستدل على ذلك بأدلة كثيرة ، ونقله عن خلق من العلماء ، وأوضح ما استدل به ; ما رواه ابن حبان بلفظ : { لخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام }ورواية جابر عن مسند الحسن بن سفيان

وأما الثانية : فإنهم يمشون ، وخلوف أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك . أملاه الإمام أبو منصور السمعاني ، وقال : إنه حديث حسن ، قال ابن الصلاح : وأما ذكر يوم القيامة في تلك الرواية فلأنه يوم الجزاء ، وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل في الدنيا ، فخص في هذه الرواية لذلك ، وأطلق في باقي الروايات ، نظرا إلى أن أصل أفضليته ثابتة في الدارين ، كما قال تعالى : { إن ربهم بهم يومئذ لخبير }.

( تنبيه آخر ) واستدل الأصحاب بهذا الحديث على كراهية الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائما ، وفي الاستدلال به ( نظر ) ، لكن في رواية الدارقطني عن أبي هريرة ، قال : { لك السواك إلى العصر ، فإذا صليت فألقه ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك }وقد عارضه حديث عامر بن ربيعة ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك ، وهو صائم ما لا أعد }. رواه أبو داود وغيره ، وإسناده حسن ، علقه البخاري ، ونقل الترمذي : أن الشافعي قال : لا بأس بالسواك للصائم أول النهار وآخره . وهذا اختيار أبي شامة ، وابن عبد السلام ، والنووي ، وقال : إنه قول أكثر العلماء ، ومنهم المزني . وفي الباب حديث علي : { إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي ، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي ، إلا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة }وإسناده ضعيف ، أخرجه البيهقي [ ص: 103 ]

( فصل ) نازع جماعة في صحة الاستدلال بحديث أبي هريرة ، على كراهة السواك للصائم حين يخلف فمه ، منهم ابن العربي فقال : الخلوف يقع من خلو المعدة ، والسواك لا يزيله ، وإنما يزيل وسخ الأسنان . وقال أيضا : الحديث لم يسق لكراهية السواك ، وإنما سيق لترك كراهة مخالطة الصائم . كذا قال ، وفيه نظر لما تقدم من قول أبي هريرة راوي الحديث ، وكذا في قوله : والسواك لا يزيله نظر ; لأنه يزيل المتصعد إلى الأسنان الناشئ عن خلو المعدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية