صفحة جزء
8 - ( 8 ) - حديث عمر : { أنه كره الماء المشمس . وقال : إنه يورث البرص } . الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن صدقة بن عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن عمر به ، وصدقة ضعيف ، وأكثر أهل الحديث : على تضعيف ابن أبي يحيى ، لكن الشافعي كان يقول : إنه صدوق ، وإن كان مبتدعا ، وأطلق النسائي أنه كان يضع الحديث ، وقال إبراهيم بن سعد : كنا نسميه ، ونحن نطلب الحديث : خرافة ، وقال العجلي : كان قدريا معتزليا رافضيا كل بدعة فيه ، وكان من أحفظ الناس لكنه غير ثقة ، وقال ابن عدي : نظرت في حديثه فلم أجد فيه منكرا ، [ ص: 28 ] وله أحاديث كثيرة ، وقال الساجي : لم يخرج الشافعي عن إبراهيم حديثا في فرض ، إنما جعله شاهدا .

قلت : وفي هذا نظر ، والظاهر من حال الشافعي أنه كان يحتج به مطلقا ، وكم من أصل أصله الشافعي لا يوجد إلا من رواية إبراهيم . وقال محمد بن سحنون : لا أعلم بين الأئمة اختلافا في إبطال الحجة به ، وفي الجملة : فإن الشافعي لم يثبت عنده الجرح فيه ، فلذلك اعتمده ، والله أعلم . ولحديث عمر الموقوف هذا ، طريق أخرى ، رواها الدارقطني من حديث إسماعيل بن عياش ، حدثني صفوان بن عمرو ، عن حسان بن أزهر ، عن عمر قال : { لا تغتسلوا بالماء المشمس ، فإنه يورث البرص } وإسماعيل صدوق فيما روي عن الشاميين ، ومع ذلك فلم ينفرد ، بل تابعه عليه أبو المغيرة ، عن صفوان ، أخرجه ابن حبان في الثقات في ترجمة حسان .

( قوله ) : إن الشرع أمر بالتعفير في ولوغ الكلب سيأتي الكلام عليه - إن شاء الله تعالى - بعد قليل .

9 - ( 9 ) - قوله : وسؤره نجس ، يعني الكلب ، لورود الأمر بالإراقة في خبر الولوغ .

قلت : ورد الأمر بالإراقة فيما رواه مسلم من طريق الأعمش ، عن أبي صالح وأبي رزين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرات }. قال النسائي : لم يذكر فليرقه غير علي بن مسهر . وقال ابن منده : تفرد [ ص: 29 ] بذكر الإراقة فيه علي بن مسهر ، ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا من روايته ، وقال الدارقطني : إسناده حسن ، رواته كلهم ثقات .

وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه : " فليهرقه " وأصل الحديث في الصحيحين من رواية مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، بلفظ : { إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات }هذا هو المشهور عن مالك ، وروي عنه : " إذا ولغ " وهذا هو لفظ أصحاب أبي الزناد ، أو أكثرهم ; إلا أنه وقع في رواية الجوزقي من رواية ورقاء بن عمر ، عن أبي الزناد بلفظ : " إذا شرب " ، وكذا وقع في عوالي أبي الشيخ من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عنه ، والمحفوظ عن أبي الزناد من رواية عامة أصحابه : " إذا ولغ " ، وكذا رواه عامة أصحاب أبي هريرة عنه ، بهذا اللفظ ، ووقع في رواية أخرى من طريق هشام ، عن ابن أملياء عنه بلفظ : " إذا شرب " ، ولمسلم من رواية هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم غسل سبع مرات ، أولاهن بالتراب }رواه الترمذي والبزار من رواية ابن أملياء فقال : " أولاهن أو أخراهن " .

وفي رواية لأبي داود ، من حديث أبان ، عن قتادة ، عن ابن أملياء : [ ص: 30 ] السابعة بالتراب " وقال البيهقي : ذكر التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة عن أبي هريرة غير ابن أملياء . قلت : قد رواه أبو رافع عنه أيضا أخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهما من طريق معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة عنه ، لكن قال البيهقي : إن كان معاذ حفظه فهو حسن ، فأشار إلى تعليله . ورواه الدارقطني أيضا من طريق الحسن ، عن أبي هريرة ، لكنه لم يسمع منه على الأصح .

وفي الباب عن عبد الله بن مغفل . . . رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث مطرف بن عبد الله عنه ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب . ثم قال : ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد ، وكلب الغنم . وقال : إذا ولغ الكلب في الإناء ، فاغسلوه سبعا ، وعفروه الثامنة بالتراب }لفظ مسلم ولم يخرجه البخاري وعكس ابن الجوزي ذلك في كتاب التحقيق فوهم ، قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا أفتى بأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء غير الحسن البصري انتهى . وقد أفتى بذلك أحمد بن حنبل وغيره ، وروي أيضا عن مالك ، وأجاب عنه أصحابنا بأجوبة : أحدها : قال البيهقي : بأن أبا هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ، فروايته [ ص: 31 ] أولى ، وهذا الجواب متعقب ، لأن حديث عبد الله بن مغفل صحيح . قال ابن منده : إسناده مجمع على صحته ، وهي زيادة ثقة فيتعين المصير إليها ، وقد ألزم الطحاوي الشافعية بذلك . ثانيها : قال الشافعي : هذا الحديث لم أقف على صحته وهذا العذر لا ينفع أصحاب الشافعي الذين وقفوا على صحة الحديث ، لا سيما مع وصيته .

ثالثها : يحتمل أن يكون جعلها ثامنة لأن التراب جنس غير جنس الماء ، فجعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنين ، وهذا جواب الماوردي وغيره .

رابعها : أن يكون محمولا على من نسي استعمال التراب ، فيكون التقدير : اغسلوا سبع مرات إحداهن بالتراب . كما في رواية أبي هريرة ، فإن لم تعفروه في إحداهن فعفروه الثامنة ، ويغتفر مثل هذا الجمع بين اختلاف الروايات ، وهو أولى من إلغاء بعضها ، والله أعلم .

( فائدة ) : قال القرافي : سمعت قاضي القضاة صدر الدين الحنفي يقول : إن الشافعية تركوا أصلهم في حمل المطلق على المقيد في هذا الحديث : فقلت له : هذا لا يلزمهم لقاعدة أخرى ، وذلك أن المطلق إذا دار بين مقيدين متضادين وتعذر الجمع ، فإن اقتضى القياس تقيده بأحدهما قيد وإلا سقط اعتبارهما معا ، وبقي المطلق على إطلاقه ، انتهى .

وهذا الذي قاله القرافي صحيح ، ولكنه لا يتوجه هاهنا بل يمكن هنا حمل المطلق على المقيد ، وذلك أن الرواية المطلقة فيها إحداهن ، والمقيدة في بعضها أولاهن ، وفي بعضها أخراهن ، وفي بعض الروايات أولاهن أو أخراهن ، فإن حملنا أو هنا على التخيير استقام أن يحمل المطلق على المقيد ويتعين التراب في أولاهن أو أخراهن لا في ما بين ذلك ، وإن حملنا " أو " هنا على الشك امتنع ذلك ، لكن الأصل عدم الشك ، وقد وقع في الأم للشافعي وفي البويطي ما يعطي أنها على التعيين فيهما ولفظه في البويطي : " وإذا ولغ الكلب في الإناء ، غسل سبعا أولاهن أو أخراهن بالتراب ، لا يطهره غير ذلك " وبهذا جزم المرعشي في ترتيب الأقسام .

قلت : وهذا لفظ الشافعي في الأم ، وذكره السبكي في شرح المنهاج بحثا [ ص: 32 ] لكن أفاد شيخنا شيخ الإسلام : أن في عيون المسائل عن الشافعي أنه قال : إحداهن ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية