صفحة جزء
اعتقاد علي بن المديني ومن نقل عنه ممن أدركه من جماعة السلف

318 - أخبرنا محمد بن رزق الله ، قال : أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير قال : حدثنا أبو محمد عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث النخعي ، قال : حدثنا أبو سعيد يحيى بن أحمد قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن بسطام يقول : سمعت سهل بن محمد قرأها على علي بن عبد الله بن جعفر المديني ، فقال له : قلت أعزك الله : " السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها : الإيمان بالقدر خيره وشره ، [ ص: 186 ] ثم تصديق بالأحاديث والإيمان بها ، لا يقال لم ؟ ولا كيف ؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك ، وأحكم عليه الإيمان به والتسليم " . مثل حديث زيد بن وهب عن ابن مسعود قال : " حدثنا الصادق المصدوق . ونحوه من الأحاديث المأثورة عن الثقات .

ولا يخاصم أحدا ولا يناظر ، ولا يتعلم الجدل .

والكلام في القدر وغيره من السنة مكروه ، ولا يكون صاحبه وإن أصاب السنة بكلامه من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم ويؤمن بالإيمان .

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق ، فإن كلام الله - عز وجل - ليس ببائن منه وليس منه شيء مخلوق ، يؤمن به ولا يناظر فيه أحدا .

والإيمان بالميزان يوم القيامة ، يوزن العبد ولا يزن جناح بعوضة ، يوزن أعمال العباد كما جاءت به الآثار ، الإيمان به والتصديق والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته .

وإن الله - عز وجل - يكلم العباد يوم القيامة ويحاسبهم ليس بينهم وبينه ترجمان ، الإيمان بذلك والتصديق .

والإيمان بالحوض : إن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوضا يوم القيامة ترد عليه أمته ، عرضه مثل طوله مسيرة شهر ، آنيته كعدد نجوم السماء على ما [ ص: 187 ] جاء في الأثر ووصف ، ثم الإيمان بذلك .

والإيمان بعذاب القبر أن هذه الأمة تفتن في قبورها ، وتسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله - عز وجل - وكما أراد ، الإيمان بذلك والتصديق .

والإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخراج قوم من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما ، فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر كيف شاء الله وكما شاء ، إنما هو الإيمان به والتصديق .

والإيمان بأن المسيح الدجال مكتوب بين عينيه كافر للأحاديث التي جاءت فيه ، الإيمان بأن ذلك كائن وأن عيسى ابن مريم ينزل فيقتله بباب لد .

والإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية . والإيمان يزيد وينقص ، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا .

وترك الصلاة كفر ، ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ، من تركها فهو كافر وقد حل قتله .

وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان بن عفان ، نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يختلفوا في ذلك . ثم من بعد الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة : علي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ، كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام ، كما فعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

ثم أفضل الناس بعد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرن الذي بعث فيهم كلهم .

[ ص: 188 ] من صحبه سنة أو شهرا أو ساعة أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، فأدناهم صحبة هو أفضل من الذين لم يروه ولو لقوا الله - عز وجل - بجميع الأعمال كان الذي صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين كلهم ولو عملوا كل أعمال الخير .

ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين البر والفاجر ، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم ، لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلا وعليه إمام ، برا كان أو فاجرا فهو أمير المؤمنين .

والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر ، لا يترك . وقسمة الفيء وإقامة الحدود للأئمة ماضية ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة قد برئ من دفعها إليهم وأجزأت عنه برا كان أو فاجرا .

وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة قائمة ركعتان من أعادها فهو مبتدع تارك للإيمان مخالف ، وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الجمعة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم ، والسنة أن يصلوا خلفهم لا يكون في صدره حرج من ذلك .

ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأي وجه كانت برضا كانت أو بغلبة فهو شاق هذا الخارج عليه العصا ، وخالف الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات الخارج [ ص: 189 ] عليه مات ميتة جاهلية .

ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس ، فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة .

ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله أو ما دون نفسه ، فله أن يقاتل عن نفسه وماله حتى يدفع عنه في مقامه ، وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ، وقد سلم منهم ، ذلك إلى الأئمة ، إنما هو يدفع عن نفسه في مقامه ، وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا ، فإن أتى على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول ، وإن قتل هو في ذلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجونا له الشهادة كما في الأثر وجميع الآثار ، إنما أمر بقتاله ، ولم يؤمر بقتله ، ولا يقيم عليه الحد ولكنه يدفعه إلى من ولاه الله أمره فيكون هو يحكم فيه .

ولا يشهد على أحد من أهل القبلة بعمل عمله بجنة ولا نار ، نرجو للصالح ونخاف على الطالح المذنب ، ونرجو له رحمة الله - عز وجل .

ومن لقي الله بذنب يجب له بذنبه النار تائبا منه غير مصر عليه ، فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .

[ ص: 190 ] ومن لقي الله وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي استوجبت بها العقوبة فأمره إلى الله عز وجل ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .

ومن لقيه مشركا عذبه ولم يغفر له .

والرجم على من زنا وهو محصن إذا اعترف بذلك وقامت عليه البينة ، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجم الأئمة الراشدون من بعده .

ومن تنقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه فهو مبتدع حتى يترحم عليهم جميعا ، فيكون قلبه لهم سليما .

والنفاق هو الكفر ، أن يكفر بالله - عز وجل - ويعبد غيره في السر ، ويظهر الإيمان في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل منهم الظاهر ، فمن أظهرالكفر قتل .

وهذه الأحاديث التي جاءت : " ثلاث من كن فيه فهو منافق " جاءت على التغليظ ، نرويها كما جاءت ، ولا نفسرها ، مثل : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .

ومثل : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " .

ومثل : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .

ومثل : " من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " .

[ ص: 191 ] ومثل : " كفر بالله تبرء من نسب وإن دق " .

ونحو هذه الأحاديث مما ذكرناه ومما لم نذكره في هذه الأحاديث مما صح وحفظ ، فإنه يسلم له وإن لم يعلم تفسيره فلا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا يتكلم فيه ما لم يبلغ لنا منه ولا نفسر الأحاديث إلا على ما جاءت ، ولا نردها .

والجنة والنار مخلوقتان كما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا ، ورأيت الكوثر ، واطلعت في الجنة فإذا أكثر أهلها كذي ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها كذي " ، فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالأثر ، ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار . وقوله : " أرواح الشهداء تسرح في الجنة " وهذه الأحاديث التي جاءت كلها نؤمن بها .

ومن مات من أهل القبلة موحدا مصليا صلينا عليه واستغفرنا له ، لا نحجب الاستغفار ولا ندع الصلاة عليه لذنب صغير أم كبير ، وأمره إلى الله - عز وجل .

وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة ويدعو له ويترحم عليه فارج خيره ، واعلم أنه بريء من البدع .

[ ص: 192 ] وإذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن وراء ذلك خيرا إن شاء الله .

وإذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني ، وابن عون ، ويونس ، والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج خيره .

وإذا رأيت الرجل من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مصرف ، وابن أبجر ، وابن حيان التيمي ، ومالك بن مغول ، وسفيان بن سعيد الثوري ، وزايدة فارجه .

ومن بعدهم عبد الله بن إدريس ، ومحمد بن عبيد ، وابن أبي عتبة ، والمحاربي فارجه .

وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه فلا تطمئن إليه وإلى من يذهب مذهبه ممن يغلو في أمره ويتخذه إماما .

التالي السابق


الخدمات العلمية