صفحة جزء
[ ص: 833 ] سياق

ما روى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابتداء الوحي ، وصفته ، وأنه بعث وأنزل إليه وله أربعون سنة

1406 - أخبرنا عبيد الله بن أحمد ، أخبرنا الحسين بن إسماعيل ، أخبرنا يعقوب الدورقي قال : ثنا روح بن عبادة قال : ثنا هشام قال : ثنا عكرمة عن : \ح\ :

1407 - وأخبرنا محمد بن الحسين الفارسي ، أخبرنا أبو مروان عبد الملك بن شاذان الجلاب - بمكة - قال : ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال : ثنا روح بن عبادة ، ثنا هشام بن حسان ، عن عكرمة : عن ابن عباس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة ، فمكث بمكة ثلاثة عشر يوحى إليه ، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة .

أخرجه البخاري .

1408 - أخبرنا محمد بن الحسين الفارسي قال : أخبرنا أحمد بن سعيد قال : ثنا محمد بن يحيى الذهلي قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : أخبرني عروة : عن عائشة : \ح\ :

1409 - وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن خيران قال : ثنا عبد الله بن محمد بن الأشقر قال : ثنا الحسين بن مهدي قال : أخبرنا عبد [ ص: 834 ] الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال أخبرني عروة : عن عائشة ، قالت : أول ما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت به مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه - وقال الحسين في حديثه - الخلاء .

فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق ، وهو في غار حراء .

فجاءه الملك ، فقال : اقرأ . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني . فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ... ) حتى بلغ : ( ما لم يعلم ) . قال : فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال لها : [ ص: 835 ] زملوني زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال : يا خديجة ، ما لي ؟ فأخبرها الخبر ، وقال : قد خشيت علي . قالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي - وهو ابن عم خديجة أخي أبيها - وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي قد كتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي .

فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : يا ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأى . فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني أكون فيها جذعا أكون حيا حين يخرجوك قومك . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أو مخرجي هم ؟ قال ورقة : نعم لم يأت أحد قط بما جئت به إلا عودي ، وأوذي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .

ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها تبدى له جبريل - عليه السلام - فقال : يا محمد ، إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه ، وتقر نفسه فيرجع .

[ ص: 836 ] فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدا له جبريل - عليه السلام - فيقول له مثل ذلك
. واللفظ لحديث حسين بن مهدي . أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الرزاق .

1410 - أخبرنا علي بن محمد بن أحمد بن يعقوب قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : قرئ على يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أن مالكا ، حدثه هشام بن عروة ، عن أبيه : عن عائشة أم المؤمنين أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشد علي فيفصم عني ، وقد وعيت - قال : - وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " . قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا . أخرجه البخاري ومسلم .

1411 - أخبرنا محمد بن الحسين الفارسي قال : أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي قال : ثنا محمد بن يحيى الذهلي قال : ثنا عبد الرزاق ، عن [ ص: 837 ] معمر ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة ، عن جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : " فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء ، والأرض فجثيت منه رعبا . فرجعت ، فقلت : زملوني فدثروني فأنزل الله ( ياأيها المدثر ) إلى قوله ( والرجز فاهجر ) - وهي الأوثان - قبل أن تفرض الصلاة " أخرجه البخاري ومسلم .

1412 - أخبرنا أحمد بن عبيد قال : أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر قال : ثنا أحمد بن سنان قال : ثنا يزيد بن هارون قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس قال : أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة خمس عشرة سنة : سبعا يرى الضوء ، ويسمع الصوت ، وثمانيا يوحى إليه ، وأقام بالمدينة عشرا " . أخرجه مسلم .

[ ص: 838 ] 1413 - أخبرنا علي بن محمد بن عمر ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : ثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان قال : ثنا عبد الله بن نمير قال : ثنا يزيد بن زياد بن أبي الجعد قال : ثنا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين بسوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء ، وهو ينادي بأعلى صوته : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " ورجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وقدميه وهو يقول : يا أيها الناس ، لا تطيعوه فإنه كذاب . قلت : من هذا ؟ قالوا : غلام من بني عبد المطلب . قلت : من هذا الذي معه يتبعه يرميه ؟ قالوا : هذا عمه عبد العزى - وهو أبو لهب - .

1414 - أخبرنا عيسى بن علي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال : ثنا داود بن عمرو قال : ثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن ربيعة بن عباد : \ح\ :

1415 - وأخبرنا علي بن محمد بن عمر ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : ثنا يونس بن عبد الأعلى المصري قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : [ ص: 839 ] أخبرني ابن أبي الزناد ، عن أبيه قال : أخبرني ربيعة بن عباد - رجل بني الديل وكان جاهليا فأسلم - قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية بسوق ذي المجاز وهو يمشي بين الناس وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " . قال : مرارا يرددها والناس منقصفون عليه يتبعونه وإذا رجل أحول وضيء ذو غديرتين وضيء الوجه ، يقول : إنه صابئ كذاب .

فسألت : من هذا وراءه ؟ قالوا لي : هذا عمه أبو لهب . قال لي ربيعة : وأنا يومئذ أزفر القربة لأهلي ، يقول : ذلك مبلغي يومئذ من السن
.

1416 - أخبرنا أحمد بن عمر بن محمد قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن زياد قال : حدثني محمد بن يحيى بن فارس قال : ثنا بهلول بن مورق أبو غسان ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد القارضي .

عن ربيعة بن عباد رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتبع رسول الله [ ص: 840 ] - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أيها الناس ، إن هذا فرعون فلا يصدنكم عن دين آبائكم ، وهم يلوذون به وهو على أثره ونحن نتبعه الغلمان كأني أنظر إليه أحول أبيض الناس وأجملهم .

1417 - أخبرنا علي بن عمر بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن منصور بن عبد الله الدبيلي قال : ثنا محمد بن علي بن زيد قال : ثنا سعيد بن منصور قال : ثنا الحارث بن عبيد الإيادي ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن عبد الله بن شقيق : عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرس فنزلت ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه من القبة وقال : " يا أيها الناس قد عصمني الله - عز وجل - من الناس " .

[ ص: 841 ] 1418 - أخبرنا عبيد الله بن أحمد ، أخبرنا الحسين بن إسماعيل قال : ثنا يوسف بن موسى قال : ثنا جعفر بن عون ، ثنا سفيان : \ح\ :

1419 - وأخبرنا محمد بن عبد الله بن الحسين ، أخبرنا جعفر بن أحمد بن كعب الخزاز قال : ثنا علي بن حرب قال : ثنا جعفر بن عون قال : ثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : عن عبد الله بن مسعود ، قال : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ظل الكعبة فقال أبو جهل - لعنه الله - وأناس من قريش وقد نحر جزور ورمي ناحية مكة ... فأوتي بسلاها فطرحت بين كتفيه فجاءت فاطمة فطرحته عنه ) .

فلما انصرف - وكان يستحب الثلاث - قال : " اللهم عليك بقريش ثلاثا بأبي جهل بن هشام ، وبعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وبأمية بن خلف ، وبعقبة بن أبي معيط " . قال عبد الله : فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر
. أخرجاه جميعا .

[ ص: 842 ] 1420 - أخبرنا عيسى بن علي ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال : ثنا خلف بن هشام قال : ثنا داود بن عبد الرحمن العطار قال : ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه جابر بن عبد الله : \ح\ :

1421 - وأخبرنا أحمد بن عبيد ، أنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد بن سنان ، ثنا عبد الأعلى بن حماد ، ثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، ثنا ابن خثيم ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، أنه : حدثه جابر بن عبد الله : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبث - في حديث خلف مكث - عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم بمجنة ، وعكاظ ومنازلهم بمنى : " من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي فله الجنة " . ، فلا يجد أحدا يؤويه وينصره حتى إن الرجل ليدخل صاحبه من مصر واليمن فيأتيه قومه ، أو ذو رحمه فيقولون : احذر فتى قريش لا يفتنك ، يمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله ، يشيرون إليه بأصابعهم حتى بعثنا الله له من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به - زاد عبد الأعلى : فيقرئه القرآن - فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام .

ثم بعثنا الله فائتمرنا واجتمع سبعون رجلا منا ، فقلنا : حتى متى نرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد عبد الأعلى يطوف في جبال مكة - ويخاف ، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم فواعدنا شعب العقبة .

[ ص: 843 ] فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده ، فقلنا : يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال : " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط ، والكسل وعلى النفقة في العسر ، واليسر وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم ، وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة " . فقمنا نبايعه ، وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا - فقال : رويدا يا أهل يثرب ، إنه لم تضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله عند إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم ، وعلى قتل خياركم ، وعلى مفارقة العرب كافة فخذوه ، وأجركم على الله .

- وفي حديث عبد الأعلى : أجركم على الله - . وإما أنتم تخافون أنفسكم خيفة فذروه فهو عذر لكم عند الله . قالوا : أمط عنا يدك يا سعد بن زرارة ، فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها . فقمنا إليه نبايعه رجلا فرجلا فيأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة
.

[ ص: 844 ] 1422 - أخبرنا محمد بن الحسين الفارسي قال : أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي قال : ثنا محمد بن يحيى الذهلي قال : ثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير : أن عائشة قالت : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيه طرفي النهار بكرة ، وعشيا ، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد ولقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة : فقال ابن الدغنة : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي . فقال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ؛ إنك تكسب المعدم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع فاعبد ربك ببلدك .

فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر . فطاف ابن الدغنة في كفار قريش فقال : إن أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، تخرجون رجلا يكسب المعدم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر ، وقالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، وليصل فيها ما شاء بفناء داره .

فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء قريش وأبناؤهم متعجبون ، وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم .

[ ص: 845 ] فقالوا : إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره ، وإنه قد جاوز ذلك وابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلى الصلاة والقرآن ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فإنه إن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فتسأله أن يرد عليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان .

قالت عائشة : فأتى أبا بكر ابن الدغنة فقال : يا أبا بكر ، قد علمت الذي عقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلي ذمتي ؛ فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في عقد رجل عقدت له .

فقال أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله ، ورسول الله يومئذ بمكة . أخرجه البخاري ومسلم .

1423 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن أحمد ، وعبد الرحمن بن عمر بن أحمد - واللفظ له - قالا : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري قال : ثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا سليمان بن بلال ، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة : " أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام .

فقال أولهم : هو هو ؟ [ ص: 846 ] وقال أوسطهم : هو خيرهم . وقال آخرهم : خذوا خيرهم . فكانت تلك . فلم يرهم حتى جاءوا إليه ليلة أخرى فلم يعلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل - عليه السلام - ما بين نحره إلى لبته
حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه ، ثم أتى بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة ، فحشا به صدره وجوفه وعاد يده ، ثم أطبقه .

ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا ؟ قال : هذا جبريل . قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا وأهلا ، استبشر أهل السماء لا يعلم أهل السماء ما يريد الله في الأرض حتى يعلمهم ، فوجد في سماء الدنيا آدم فقال جبريل : هذا أبوك آدم ، فسلم عليه فرد عليه ، وقال : مرحبا وأهلا بابني فنعم الابن أنت .

فإذا هم في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، فقال : ما هذان النهران يا جبريل ؟ قال : هذان النيل والفرات - عنصراهما - . ثم مضى به في السماء ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ [ ص: 847 ] وزبرجد فيذهب يشم ترابه فإذا هو مسك . قال : يا جبريل ما هذا النهر ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك تعالى ذكره . ثم عرج به إلى السماء الثانية ، فقالت له الملائكة مثل ما قالت له في الأولى : من هذا معك ؟ قال : محمد . قالوا : أوقد بعث ؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلا . ثم عرج به إلى السماء الثالثة . فقالوا مثل ما قيل له في المرة الأولى والثانية . ثم عرج به إلى الرابعة . فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى الخامسة . فقالوا مثل ذلك . ثم عرج إلى السادسة . فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السابعة . فقالوا له مثل ذلك . وكل سماء فيها أنبياء - وسماهم أنس - فوعيت منهم : إدريس في الثانية ، وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة ، لم أحفظ اسمه ، وإبراهيم [ ص: 848 ] في السادسة ، وموسى في السابعة - بفضل كلام الله - عز وجل - له - فقال موسى : لم أظن أن يرفع علي أحد ، ثم علا به فيما لا يعلمه إلا الله حتى جاء به سدرة المنتهى . ودنا الجبار رب العزة وعلا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين ، أو أدنى . فأوحى إليه خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة . ثم هبط حتى بلغ موسى واحتبسه فقال : يا محمد ، ما عهد إليك ربك ؟ قال : عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة . قال : إن أمتك لا تستطيع فارجع فليخفف عنك وعنهم . فالتفت إلى جبريل يستشيره في ذلك فأشار إليه : أن نعم إن شئت . فعلا به جبريل - عليه السلام - حتى أتى الجبار تبارك وتعالى ، وهو في مكانه ، فقال : يا رب خفف عنا ؛ فإن أمتي لا تستطيع . فوضع عنه عشر صلوات . ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات احتبسه عند الخامسة ، فقال : يا محمد ، قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمسة فضيعوه ، وتركوه ، وأمتك أضعف أجسادا ، وقلوبا ، وأبصارا ، وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك .

كل ذلك يلتفت إلى جبريل يستشيره ، فلا يكره ذلك جبريل فيرفعه فرفعه عند الخامسة ، فقال : يا رب ، إن أمتي ضعاف أجسادهم ، وقلوبهم ، وأسماعهم ، وأبصارهم فخفف عنا .

[ ص: 849 ] فقال تبارك وتعالى : " إني لا يبدل القول لدي ، هي كما كتبت عليك في أم الكتاب ، ولك بكل حسنة عشر أمثالها وهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس " . فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت ؟ قال : خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. فقال : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا . قال : قد والله استحييت من ربي - عز وجل - مما أختلف إليه . قال : فاهبط بسم الله
. أخرجاه جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية