معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
[ ص: 393 ] فصل

في بيان النوع الثاني من نوعي التوحيد

وهو توحيد الطلب والقصد وأنه معنى لا إله إلا الله


هذا وثاني نوعي التوحيد إفراد رب العرش عن نديد     أن تعبد الله إلها واحدا
معترفا بحقه لا جاحدا



( هذا ) أي الأمر والإشارة إلى ما تقدم من تحقيق النوع الأول من نوعي التوحيد ( وثاني نوعي التوحيد ) هو ( إفراد رب العرش عن نديد ) شريك مساو ، وتفسير ذلك هو ( أن تعبد الله ) سبحانه وتعالى ( إلها ) حال من لفظ الجلالة ( واحدا ) لا شريك له في إلهيته كما لا شريك له في ربوبيته وأسمائه وصفاته ، فإن توحيد الإثبات هو أعظم حجة على توحيد الطلب والقصد الذي هو توحيد الإلهية وبه احتج الله تعالى في كتابه في غير موضع على وجوب إفراده تعالى بالإلهية لتلازم التوحيدين ، فإنه لا يكون إلها مستحقا للعبادة إلا من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مدبرا لجميع الأمور حيا قيوما سميعا بصيرا عليما حكيما موصوفا بكل كمال منزها عن كل نقص ، غنيا عما سواه ، مفتقرا إليه كل ما عداه فاعلا مختارا لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا تخفى عليه خافية ، وهذه صفات الله عز وجل لا تنبغي إلا له ولا يشركه فيها غيره . فكذلك لا يستحق العبادة إلا هو ولا تجوز لغيره فحيث كان متفردا بالخلق والإنشاء والبدء والإعادة لا يشركه في ذلك أحد وجب إفراده بالعبادة دون من [ ص: 394 ] سواه لا يشرك معه في عبادته أحد كما قال تعالى : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ( البقرة : 21 - 22 ) .

وقال تبارك وتعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) إلى قوله : ( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) ( يونس : 31 - 35 ) وقال تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ) ( يونس : 3 - 5 ) .

وقال تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) ( الأعراف : 54 ) وقال تعالى : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ) ( الأنعام : 1 - 3 ) [ ص: 395 ] وقال تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ) ( الأنعام : 59 - 64 ) .

وقال تعالى : ( قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) ( الأنعام : 164 - 165 ) إلى آخرها . وقال تعالى : ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) ( الرعد : 2 - 4 ) . وقال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ) - إلى قوله - ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) ( النحل : 1 - 17 ) إلى آخر السورة . وقال تعالى : [ ص: 396 ] ( قال فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) ( طه : 49 - 54 ) وقال تعالى : ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ) ( الأنعام : 40 - 41 ) وقال تعالى : ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ) ( يونس : 12 ) . وقال تعالى : ( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) ( يونس : 22 - 23 ) وقال تعالى : ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) ( الأنبياء : 30 - 33 ) وقال تبارك وتعالى : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ) ( المؤمنون : 84 - 92 ) [ ص: 397 ] وقال تعالى : ( ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ) ( النور : 42 - 45 ) .

وقال تعالى : ( أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) ( الشعراء : 7 - 9 ) وقال تعالى : ( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون ) ( النمل : 59 ) إلى قوله : ( يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ( النمل : 64 ) وقال تعالى : ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ) ( العنكبوت : 60 - 63 ) وقال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) ( العنكبوت : 65 ) .

وقال تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ) - إلى قوله - [ ص: 398 ] ( ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) ( لقمان : 25 - 32 ) إلى آخر السورة .

وقال تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ) ( الحج : 63 - 66 ) وقال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون ) ( المؤمنون : 12 - 22 ) .

وقال تعالى : ( الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ) ( السجدة : 4 ) إلى آخر الآيات . وقال تعالى : ( الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور ) ( سبأ : 1 - 2 ) [ ص: 399 ] وقال تعالى : ( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) ( فاطر : 1 - 2 ) وقال تعالى : ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ) ( الروم : 48 - 49 ) إلى آخر الآيات .

وقال تعالى : ( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) - إلى قوله - ( والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك ) ( فاطر : 9 - 13 ) إلى آخر الآيات ، بل إلى آخر السورة . وقال تعالى : ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ) ( الروم : 40 ) .

وقال تعالى : ( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ) ( الزمر : 8 ) [ ص: 400 ] وقال تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ) ( الزمر : 38 ) وقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ) ( غافر : 61 - 64 ) إلى آخر الآيات .

وقال تعالى : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) ( فصلت : 9 - 12 ) وقال : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ( الزخرف : 9 - 13 ) الآيات . وقال تعالى : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) ( الزخرف : 87 ) وغير ذلك من الآيات التي يقرر الله تعالى فيها ربوبيته ويمتن بنعمه وتفرده بأنواع [ ص: 401 ] التصرفات ، وعباد الأوثان يقرون بها لله عز وجل ويقرون بأن أوثانهم التي يدعون من دونه مخلوقة لا تملك لأنفسها ولا لعابديها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنهم شيئا ، ويقرون أن الله هو المتفرد بالخلق والرزق والضر والنفع والتقدير والتدبير وأنواع التصرفات ليس إليهم ولا إلى أوثانهم من ذلك شيء ، بل هو الخالق وما عداه مخلوق ، وهو الرب وما عداه مربوب ، غير أنهم جعلوا له من خلقه شركاء سووهم به في استحقاق العبادة وأنكروا أن يكون تفرد بها وقالوا لمن قال لهم قولوا لا إله إلا الله : ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) ( ص : 5 ) فألزمهم الله تعالى بما أقروا به من التفرد بالربوبية أن يعملوا بمقتضى ذلك ويلتزموا لازمه من توحيد الإلهية وأن يكفروا بما اتخذوا من دونه كما أقروا بعجزهم وعدم اتصافهم بشيء يستحقون به العبادة ، بل هم أقل وأذل وأحقر وأعجز عن أن يخلقوا ذبابا أو يستنقذوا منه شيئا سلبه .

ومن تدبر هذه الآيات التي ذكرنا وما في معناها حق التدبر علم يقينا أن عباد الأوثان مقرون بتوحيد الربوبية وشاهدون بتفرد الله بذلك وأنهم إنما أشركوا بالله تعالى في الإلهية حيث عبدوا معه غيره ، هذا في الظاهر وإلا فأنواع التوحيد متلازمة ، من أشرك غير الله معه في شيء منها فقد أشرك فيما عداه كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه في بيان الشرك . ومما يقدر ذلك غاية التقدير حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه حصين قبل إسلامه : " كم تعبد اليوم من إله ؟ " قال : سبعة آلهة ، ستة في الأرض وواحدا في السماء . قال صلى الله عليه وسلم : " فمن تعد لرغبتك ورهبتك ؟ " قال : الذي في السماء . وتقدم أيضا في هذه الآية أنهم إنما كان شركهم بالله في إلهيته في حالة الرخاء وأما في الشدة فكانوا يخلصون الدين لله لعلمهم أنه لا يقدر على كشف ما هم فيه غيره وأن آلهتهم لا تضر ولا تنفع ولا تستطيع شيئا كما قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) ( العنكبوت : 65 - 66 ) [ ص: 402 ] وما في معانيها من الآيات مما ذكرنا ومما لم نذكر والمقصود أن الربوبية والإلهية متلازمان لا ينفك نوع منهما عن الآخر ، وأن توحيد الربوبية لم ينكره أحد إلا مكابرة كفرعون ونمرود ، والثنوية الذين اعتقدوا للوجود خالقين اثنين ، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا . ( معترفا ) حال من فاعل تعبد ( بحقه ) تعالى عليك ، وعلى جميع عباده ( لا جاحدا ) وحقه عليك أن تعبده لا تشرك به شيئا ، كما قال تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) ( النساء : 23 ) وقال : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) ( الإسراء : 23 ) وقال تعالى : ( أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ( المؤمنون : 32 ) وغيرها من الآيات سنذكر ما تيسر منها قريبا إن شاء الله تعالى .

وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله تعالى على العباد وما حق العباد على الله ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية