معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
[ الحلف بغير الله ]


ومنه إقسام بغير الباري كما أتى في محكم الأخبار

أي ومن الشرك الأصغر الذي لا يخرج من الملة ( إقسام ) مصدر ( أقسم ) ; أي الحلف ( بغير الباري ) كالحلف بالآباء والأمهات والأبناء والأمانة وغير ذلك ، كما في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه فقال : " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " . وفي رواية قال عمر : فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا ولا آثرا . متفق عليه .

ولأبي داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " . ولأحمد ومسلم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " . وللنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحلفوا إلا بالله ، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون " .

وسمع ابن عمر رضي الله [ ص: 496 ] عنهما رجلا يقول : لا والكعبة . فقال ابن عمر : لا تحلف بغير الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " . أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه . وعن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من حلف بالأمانة " . رواه أبو داود . وفي الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يحلف بالأمانة فقال : " ألست الذي يحلف بالأمانة ؟ " .

وعن قتيلة بنت صفي أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تنددون وإنكم تشركون ، تقولون ما شاء الله وشئت ، وتقولون والكعبة . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : " ورب الكعبة " ، ويقول أحدهم : " ما شاء الله ثم شئت " . رواه أحمد والنسائى وصححه ، وابن ماجه . وقد ثبت في كفارة الحلف بغير الله حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " .

ومن الشرك الأصغر قول ما شاء الله وشئت ، كما روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله وشئت . فقال : " أجعلتني لله ندا ؟ ما شاء الله وحده " . ولأبي داود بسند صحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان [ ص: 497 ] ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان " . وتقدم في ذلك في حديث قتيلة ، والفرق بين الواو وثم : أنه إذا عطف بالواو كان مضاهيا مشيئة الله بمشيئة العبد إذ قرن بينهما ، وإذا عطف بثم فقد جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل ، كما قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) ( الإنسان : 30 ) ومثله قول : لولا الله وفلان . هذا من الشرك الأصغر ، ويجوز أن يقول لولا الله ثم فلان ، ذكره إبراهيم النخعي .

ولابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل : ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ( البقرة : 22 ) قال : الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ، وهو أن يقول : والله وحياتك يا فلان وحياتي ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص ، وقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئت ، وقول الرجل لولا الله وفلان ، لا تجعل فيها فلانا ، هذا كله به شرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية