معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
[ ص: 46 ] [ ص: 47 ] بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة ( للمصنف )

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، وما كان معه من إله ، الذي لا إله إلا هو ولا خالق غيره ، ولا رب سواه ، المستحق لجميع أنواع العبادة ، ولذا قضى أن لا نعبد إلا إياه ، ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ، وأن الله هو العلي الكبير ، عالم الغيب والشهادة الذي استوى في علمه ما أسر العبد وما أظهر ، الذي علم ما كان وما يكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، كيف لا وهو الذي خلق وقدر ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، الذي كتب على نفسه الرحمة وهو أرحم الراحمين ، الذي غلبت رحمته غضبه ، كما كتب ذلك عنده على عرشه في الكتاب المبين ، الذي وسعت رحمته كل شيء ، وبها يتراحم الخلائق بينهم ، كما ثبت ذلك عن سيد المرسلين ، فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ، إن الله يحيي الموتى ، وهو على كل شيء قدير ، الملك الحق الذي بيده ملكوت كل شيء ، ولا شريك له في ملكه ولا معين ، المتصرف في خلقه بما يشاء من الأمر والنهي ، والإعزاز والإذلال ، والإحياء والإماتة ، والهداية والإضلال ، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، لا راد لقضائه ولا مضاد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ، له ملك السماوات والأرض وما بينهما [ ص: 48 ] وإليه المصير ، القدوس السلام الذي اتصف بصفات الكمال ، وتقدس عن كل نقص ومحال ، وتعالى عن الأشباه والأمثال ، حرام على العقول أن تصفه ، وعلى الأوهام أن تكيفه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، المؤمن الذي آمن أولياءه من خزي الدنيا ووقاهم في الآخرة عذاب الهاوية ، وآتاهم في هذه الدنيا حسنة وسيحلهم دار المقامة في جنة عالية ، المهيمن الذي شهد على الخلق بأعمالهم ، وهو القائم على كل نفس بما كسبت ، لا تخفى عليه منهم خافية ، إنه بعباده لخبير بصير ، العزيز الذي لا مغالب له ولا مرام لجنابه ، الجبار الذي له مطلق الجبروت والعظمة ، وهو الذي يجبر كل كسير مما به ، المتكبر الذي لا ينبغي الكبرياء إلا له ولا يليق إلا بجنابه ، العظمة إزاره والكبرياء رداؤه ، فمن نازعه صفة منها ، أحل به الغضب والمقت والتدمير .

الخالق البارئ المصور لما شاء إذا شاء في أي صورة شاء من أنواع التصوير ، هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ، خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير ، ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ، الغفار الذي لو أتاه العبد بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيه لا يشرك به شيئا ، لأتاه بقرابها مغفرة ، القهار الذي قصم بسلطان قهره كل مخلوق وقهره ، الوهاب الذي كل موهوب وصل إلى خلقه ، فمن فيض بحار جوده وفضله ونعمائه الزاخرة ، الرزاق الذي لا تنفد خزائنه ولم يغض ما في يمينه ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، ماذا نقص من فضله الغزير ؟ يرزق كل ذي قوت قوته ، ثم يدبر ذلك القوت في الأعضاء بحكمته تدبيرا متقنا محكما ، يرزق من هذه الدنيا من يشاء من كافر ومسلم أموالا وأولادا وأهلا وخدما ، ولا يرزق الآخرة إلا أهل توحيده وطاعته ، قضى ذلك قضاء حتما مبرما ، وأشرف الأرزاق في هذه الدار ما رزقه عبده على أيدي رسله من أسباب النجاة من الإيمان والعلم والعمل والحكمة وتبيين الهدى المستنير ، الفتاح الذي يفتح على من يشاء بما يشاء من فضله العميم ، يفتح على هذا مالا ، وعلى هذا ملكا ، وعلى هذا علما وحكمة ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ، العليم الذي أحاط علمه بجميع المعلومات من ماض وآت ، ظاهر وكامن ، [ ص: 49 ] ومتحرك وساكن ، وجليل وحقير .

علم بسابق علمه عدد أنفاس خلقه ، وحركاتهم وسكناتهم ، وأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم ، ومن هو منهم من أهل الجنة ، ومن هو منهم من أهل النار في العذاب المهين ، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ، ما من جبل إلا ويعلم ما في وعره ، ولا بحر إلا ويدري ما في قعره ، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ، وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ، القابض الباسط فيقبض عمن يشاء رزقه فيقدره عليه ، ويبسطه على من يشاء فيوسع عليه ، وكذا له القبض والبسط في أعمال عباده وقلوبهم ، كل ذلك إليه ، إذ هو المتفرد بالإحياء والإماتة ، والهداية والإضلال ، والإيجاد والإعدام ، وأنواع التصرف والتدبير ، الخافض الرافع ، الضار النافع ، المعطي المانع ، فلا رافع لمن خفض ، ولا خافض لمن رفعه ، ولا نافع لمن ضر ، ولا ضار لمن نفعه ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لمن هو مانع ، فلو اجتمع أهل السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهن وما بينهما على خفض من هو رافعه ، أو ضر من هو نافعه ، أو إعطاء من هو مانعه ، لم يك ذلك في استطاعتهم بواقع ، وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ، المعز المذل الذي أعز أولياءه المؤمنين في الدنيا والآخرة ، وأيدهم بنصره المبين وبراهينه القويمة المتظاهرة ، وأذل أعداءه في الدارين ، وضرب عليهم الذلة والصغار ، وجعل عليهم الدائرة ، فما لمن والاه وأعزه من مذل ، وما لمن عاداه وأذله من ولي ولا نصير ، السميع البصير لا كسمع ولا بصر أحد من الورى ، القائل لموسى وهارون " إنني معكما أسمع وأرى " فمن نفى عن الله ما وصف به نفسه ، أو شبه صفاته بصفات خلقه ، فقد افترى على الله كذبا ، وقد خاب من افترى ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، الحكم العدل في قضائه وقدره وشرعه وأحكامه قولا وفعلا ، إن ربي على صراط مستقيم ، فلا يحيف في حكمه ولا يجور ، وما ربك بظلام للعبيد ، الذي حرم الظلم على نفسه ، وجعله بين عباده محرما ، ووعد الظالمين الوعيد الأكيد ، وفي الحديث : إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته .

[ ص: 50 ] وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ، وهو الذي يضع الموازين القسط ليوم القيامة ، فلا تظلم نفس شيئا ، بل يحصي عليهم الخردلة والذرة والفتيل والقطمير ، اللطيف بعباده معافاة وإعانة ، وعفوا ورحمة ، وفضلا وإحسانا ، ومن معاني لطفه إدراك أسرار الأمور حيث أحاط بها خبرة ، تفصيلا وإجمالا ، وسرا وإعلانا ، الخبير بأحوال مخلوقاته وأقوالهم وأفعالهم ، ماذا عملوا وكيف عملوا ، وأين عملوا ومتى عملوا ، حقيقة وكيفية ومكانا وزمانا ، إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ، الحليم فلا يعاجل أهل معصيته بالعقاب ، بل يعافيهم ويمهلهم ليتوبوا ، فيتوب عليهم إنه هو التواب ، العظيم الذي اتصف بكل معنى يوجب التعظيم ، وهل تنبغي العظمة إلا لرب الأرباب ، خضعت لعظمته وجبروته جميع العظماء ، وذل لعزته وكبريائه كل كبير ، الغفور الشكور الذي يغفر الكثير من الزلل ، ويقبل اليسير من صالح العمل ، فيضاعفه أضعافا كثيرة ، ويثيب عليه الثواب الجلل ، وكل هذا لأهل التوحيد ، أما الشرك فلا يغفره ، ولا يقبل معه من العمل من قليل ولا كثير ، العلي الذي ثبت له كل معاني العلو ، علو الشأن وعلو القهر وعلو الذات ، الذي استوى على عرشه وعلا على خلقه بائنا من جميع المخلوقات ، كما أخبر بذلك عن نفسه في كتابه ، وأخبر عنه رسوله في أصح الروايات ، وأجمع على ذلك أهل الحل والعقد بلا نزاع بينهم ولا نكير ، الكبير الذي كل شيء دونه ، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ، كما أخبر بذلك عن نفسه نصا بينا محكما ، الحفيظ على كل شيء ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، الذي وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما ، حفظ أولياءه في الدنيا والآخرة ، ونجاهم من كل أمر خطير ، المغيث لجميع مخلوقاته ، فما استغاثه [ ص: 51 ] ملهوف إلا نجاه ، الحسيب الوكيل الذي ما التجأ إليه مخلص إلا كفاه ، ولا اعتصم به مؤمن إلا حفظه ووقاه ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، فنعم المولى ونعم النصير ، الجليل الذي جل عن كل نقص ، واتصف بكل كمال وجلال ، الجميل الذي له مطلق الجمال في الذات والصفات والأسماء والأفعال ، الكريم الذي لو أن أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم قاموا في صعيد واحد فسألوه ، فأعطى كل واحد منهم مسألته ، ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، كما روى عنه نبيه المصطفى المفضال ، ومن كرمه أن يقابل الإساءة بالإحسان ، والذنب بالغفران ، ويقبل التوبة ويعفو عن التقصير ، الرقيب على عباده بأعمالهم ، العليم بأقوالهم وأفعالهم ، الكفيل بأرزاقهم وآجالهم وإنشائهم ومآلهم ، المجيب لدعائهم وسؤالهم وإليه المصير ، الواسع الذي وسع كل شيء علما ، ووسع خلقه برزقه ونعمته وعفوه ورحمته كرما وحلما ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، الحكيم في خلقه وتدبيره إحكاما وإتقانا ، والحكيم في شرعه وقدره عدلا وإحسانا ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة ، ومن أكبر من الله شهادة وأوضح دليلا وأقوم برهانا ، فهو العدل ، وحكمه عدل ، وشرعه عدل ، وقضاؤه عدل ، فله الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، الودود الذي يحب أولياءه ويحبونه ، كما أخبر عن نفسه في محكم الآيات ، المجيب لدعوة الداعي إذا دعاه في أي مكان كان وفي أي وقت من الأوقات ، فلا يشغله سمع عن سمع ، ولا تختلف عليه المطالب ، ولا تشتبه عليه الأصوات ، فيكشف الغم ويذهب الهم ويفرج الكرب ، ويستر العيب وهو الستير ، المجيد الذي هو أهل الثناء كما مجد نفسه ، وهو الممجد على اختلاف الألسن وتباين اللغات بأنواع التمجيد ، الباعث الذي بدأ الخلق ثم يعيده ، وهو أهون عليه ، إنه هو الفعال لما يريد ، الشهيد الذي هو أكبر كل شيء شهادة ، وكفى بالله شهيدا ، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ، هو الحق وقوله الحق ، وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ، القوي المتين ، الذي لم [ ص: 52 ] يقم لقوته شيء ، وهو الشديد المحال ، الولي للمؤمنين ، فلا غالب لمن تولاه ، وإذا أراد بقوم سوءا فلا مرد له ، وما لهم من دونه من وال ، الحميد الذي ثبت له جميع أنواع المحامد ، وهل يثبت الحمد إلا لذي العزة والجلال ، فله الحمد كما يقول وخيرا مما نقول ، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ، وكيف يحصي العبد الضعيف ثناء على العلي الكبير ، المحصي الذي أحصى كل شيء عددا ، وهو القائل : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) ، ( يس : 12 ) ، المبدئ المعيد الذي قال وهو أصدق القائلين : ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) ، ( الأنبياء : 104 ) ، ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) ، ( الروم : 27 ) وأنى يعجزه إعادته وقد خلقه من قبل ولم يك شيئا ، كل يعلم ذلك ويقر به بلا نكير ، المحيي المميت الذي انفرد بالإحياء والإماتة ، فلو اجتمع الخلق على إماتة نفس هو محييها ، أو إحياء نفس هو مميتها ، لم يك ذلك ممكنا ، وهل يقدر المخلوق الضعيف على دفع إرادة الخالق العلام . الحي الدائم الباقي الذي لا يموت ، وكل ما سواه زائل ، كما قال تعالى : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( الرحمن 270 ) . القيوم الذي قام بنفسه ، ولا قوام لخلقه إلا به ، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ، فلا يحتاج إلى شيء إليه فقير . الواحد الأحد الذي لا شريك له في إلهيته وربوبيته ، وأسمائه وصفاته ، وملكوته وجبروته ، وعظمته وكبريائه وجلاله ، لا ضد له ولا ند ، ولا شبيه ولا كفؤ ولا عديل . الصمد الذي يصمد إليه جميع الخلائق في حوائجهم ومسائلهم ، فهو المقصود إليه في الرغائب ، المستغاث به عند المصائب ، فإليه منتهى الطلبات ، ومنه يسأل قضاء الحاجات ، وهو الذي لا تعتريه الآفات ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في صفات الكمال ، ولا تنبغي هذه الصفات لغير الملك الجليل . القادر المقتدر الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض ، إنه على كل شيء قدير . المقدم المؤخر بقدرته الشاملة ومشيئته النافذة على وفق ما قدره ، وسبق به علمه ، وتمت به كلمته بلا تبديل ولا [ ص: 53 ] تغيير . الأول فليس قبله شيء ، والآخر فليس بعده شيء ، والظاهر فليس فوقه شيء ، والباطن فليس دونه شيء ، هكذا فسره البشير النذير ، الوالي فلا منازع له ولا مضاد ، المتعالي عن الشركاء والوزراء والنظراء والأنداد . البر وصفا وفعلا ، ومن بره المن على أوليائه بإنجائهم من عذابه ، كما وعدهم على ألسنة رسله أنه لا يخلف الميعاد ، التواب الذي يرزق من يشاء التوبة ، فيتوب عليه وينجيه من عذاب السعير . المنتقم الذي لم يقم لغضبه شيء ، وهو الشديد العقاب والبطش والانتقام ، العفو بمنه وكرمه عن الذنوب والآثام ، الرءوف بالمؤمنين ومن رأفته بهم أن نزل على عبده آيات مبينات ; ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام ، ومن رأفته بهم أن اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، مع كون الجميع ملكه ، ولم ينزع عنهم التوبة قبل الحمام ، فقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) ، ( التحريم : 8 ) ، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، ذو الجلال والإكرام ، والعزة والبقاء ، والملكوت والجبروت ، والعظمة والكبرياء ، المقسط الذي أرسل رسله بالبينات ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ; ليقوم الناس بالقسط ، وما للظالمين من نصير ، الجامع لشتات الأمور ، وهو جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد ، الغني المغني فلا يحتاج إلى شيء ، ولا تزيد في ملكه طاعة الطائعين ، ولا تنقصه معصية العاصين من العباد ، وكل خلقه مفتقرون إليه ، لا غنى بهم عن بابه طرفة عين ، وهو الكفيل بهم رعاية وكفاية ، وهو الكريم الجواد ، وبجوده عم جميع الأنام من طائع وعاص ، وقوي وضعيف ، وشكور وكفور ، ومأمور وأمير ، نور السماوات والأرض ومن فيهن ، كما وصف نفسه بذلك في كتابه ، ووصفه به محمد عبده ورسوله وحبيبه ومصطفاه ، وقال مستعيذا به : أعوذ بنور وجهك الذي [ ص: 54 ] أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل بي غضبك ، أو ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

فبصفات ربنا - تعالى - نؤمن ، ولكتابه وسنة رسوله نحكم ، وبحكمهما نرضى ونسلم ، وإن أبى الملحد إلا جحود ذلك وتأويله على ما يوافق هواه ، ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ) ، ( فصلت : 40 ) ، الهادي الذي بيده الهداية والإضلال ، فلا هادي لمن أضل ، ولا مضل لمن هدى ، ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) ، ( الكهف : 17 ) ، ( من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ) ، ( الأنعام : 39 ) ، ( قل إن هدى الله هو الهدى ) ، ( البقرة : 120 ) ، ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) ، ( لقمان : 20 ) . البديع الذي أبدع السماوات والأرض وما بينهما بلطيف صنعه وبديع حكمته ، بلا معين ولا مثال ، الباقي الذي كل شيء هالك إلا وجهه ، فلا ابتداء لأوليته ، ولا لآخريته زوال ، الوارث الذي يرث الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين ، وإليه المرجع والمآل ، فبإيجاده كل موجود وجد ، وإليه كل الأمور تصير ، الرشيد في كل أقواله وأفعاله ، فبالرشاد يأمر عباده وإليه يهديهم ، الصبور الذي لا أحد أصبر منه على أذى سمعه ، ينسبون له الولد ، ويجحدون أن يعيدهم ويحييهم ، وكل ذلك بسمعه وبصره وعلمه لا يخفى عليه منهم شيء ، ثم هو يرزقهم ويعافيهم ، ذلك بأنهم لم يبلغوا نفعه فينفعوه ، ولا ضره فيضروه ، وإنما يعود نفع طاعتهم إليهم ، ووبال عصيانهم عليهم ، واستغنى الله والله غني حميد ، ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) .

أحمده - تعالى - على جزيل إنعامه وإفضاله ، وأشكره على جليل إحسانه ونواله ، وله الحمد على أسمائه الحسنى ، وصفات كماله ونعوت جلاله ، وله الحمد على [ ص: 55 ] عدله قدرا وشرعا ، وله الحمد في الأولى والآخرة ، وهو الحكيم الخبير . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق العلي الكبير ، تعالى في إلهيته وربوبيته عن الشريك والوزير ، وتقدس في أحديته وصمديته عن الصاحبة والولد ، والوالد والولي والنصير ، وتنزه في صفات كماله ونعوت جلاله عن الكفؤ والنظير ، وعز في سلطان قهره وكمال قدرته عن المنازع والمغالب والمعين والمشير ، وجل في بقائه وديموميته وغناه وقيوميته عن المطعم والمجير .

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله البشير النذير ، المرسل إلى الناس كافة بالملة الحنيفية والهدي المنير ، بعثه الله - عز وجل - رحمة للعالمين ، وأنزل عليه كتابه المهيمن والنور المبين ، والهدي المستبين ، والمنهج المستنير . والشرك مضطرمة ناره ، طائر شراره ، مرتفع غباره ، لا مغير له ولا نكير ، فقام بتبليغ الرسالة حق القيام ، وجاهد في الله حق جهاده إعلاء لكلمة الله ، الملك العلام حتى جاء الحق ، وزهق الباطل ، وأدبر ليل الكفر والضلالة ، وانفجر الإيمان والإسلام ، ونشرت أعلام التوحيد ، وعلا بنيانه وأشرقت أنواره ، ونكست راية الشرك وانكسرت شوكته ، وخمدت ناره ورمي بناؤه بالدمدمة والتكسير والتدمير ، وعلى آله وصحبه شموس الهداية وأوعية العلم وأنصار الدين القويم وتابعيهم ، ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) ، ( الحشر : 10 ) وعلى من اقتفى أثرهم ، واتبع سيرهم وسلك صراطهم المستقيم ، وجعلنا من المقتدين بهم ، المهتدين بهديهم ، المتمسكين بالكتاب والسنة ، نقف معهما ، وبسيرهما نسير .

التالي السابق


الخدمات العلمية