معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
ومنهم الموكل بحفظ عمل العبد من خير وشر ، وهم الكرام الكاتبون ، وهؤلاء يشملهم مع ما قبلهم قوله عز وجل : ( ويرسل عليكم حفظة ) ( الأنعام : 61 ) وقال تعالى فيهم : ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) ( الزخرف : 80 ) وقال تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( ق : 17 - 18 ) فالذي عن اليمين يكتب الحسنات ، والذي عن الشمال يكتب السيئات . وقال تعالى : ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) ( الانفطار : 10 ) .

عن علقمة عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " . فكان علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث . ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه . وقال الترمذي حسن صحيح .

[ ص: 663 ] وروى البغوي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا ، وإن عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر " .

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به " وفي رواية : " ما لم تعمل أو تكلم به " . وفيه عنه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرا " . وفي رواية : " قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها كتبتها له حسنة ، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف . وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه ، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة " . وفي أخرى : " قال الله عز وجل : إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل ، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها ، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قالت الملائكة رب ذاك [ ص: 664 ] عبدك يريد أن يعمل سيئة - وهو تعالى أبصر به - فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جراي " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحسن أحدكم إسلامه ، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل " . وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " إن الله تبارك وتعالى كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة . وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة - زاد في رواية - أو محاها الله . ولا يهلك على الله إلا هالك " .

وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى وتلا هذه الآية : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ( ق : 17 ) يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول الله تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ( الإسراء : 14 ) ثم يقول : عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك . اهـ .

ويناسب ذكر المعقبات والحفظة ما روى البخاري رحمه الله تعالى في " باب [ ص: 665 ] قول الله عز وجل : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) " قال : حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " . ورواه مسلم أيضا . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال : " إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل " . الحديث تقدم في العلو . والأحاديث في ذكر الحفظة كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية