معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء

وخمسة منهم أولو العزم الأولى في سورة الأحزاب والشورى تلا



( وخمسة منهم ) أي من الرسل ( أولو ) أي أصحاب ( العزم ) يعني الجزم والجد والصبر وكمال العقل ، ولم يرسل الله تعالى من رسول إلا وهذه الصفات فيه مجتمعة ، غير أن هؤلاء الخمسة أصحاب الشرائع المشهورة كانت هذه الصفات فيهم أكمل وأعظم من غيرهم ؛ لذا خصوا بالذكر ( في سورة الأحزاب ) يعني قوله تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ) ( الأحزاب : 7 ) فذكر تعالى أخذه الميثاق على جميع النبيين جملة ونص منهم على هؤلاء الخمسة محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتمهم ونوح وهو فاتحهم وإبراهيم وموسى وعيسى وهم بينهما ( و ) كذا ذكرهم على وجه التخصيص في سورة ( الشورى ) إذ يقول تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) ( الشورى : 13 ) .

وهؤلاء الخمسة هم الذين يتراجعون الشفاعة بعد أبيهم آدم عليه السلام حتى تنتهي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول : " أنا لها " كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله . ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) الأحزاب : 7 ) الآية . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ، فبدأ بي قبلهم " . وفيه ضعف ويروى مرسلا وموقوفا على قتادة ، وللبزار عنه رضي الله عنه موقوفا عليه قال : " خيار ولد آدم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد " صلى الله عليه وسلم [ ص: 680 ] وعليهم أجمعين ، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، والقول بأن أولي العزم هم هؤلاء الخمسة هو قول ابن عباس وقتادة ومن وافقهما وهو الأشهر ، وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين ، وقيل هم ستة : نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف وهود والشعراء . وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه وإبراهيم صبر على النار وإسماعيل صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ويوسف صبر على البئر والسجن وأيوب صبر على الضر .

قلت : وقوله إسحاق صبر على الذبح هو قول مرجوح أو مردود وإنما كان الذبيح إسماعيل عليه السلام كما في سورة الصافات وهود .

وقال ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز ، وقال قوم هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر لقوله تعالى بعد ذكرهم : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ( الأنعام : 90 ) .

وروى ابن أبي حاتم بسنده عن مسروق قال : قالت عائشة رضي الله عنها : ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما ثم طواه ثم ظل صائما ثم طواه ثم ظل صائما ثم قال : " يا عائشة ، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على محبوبها ، ثم لم يرض مني أن يكلفني ما كلفهم فقال : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) ( الأحقاف : 35 ) وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ، ولا قوة إلا بالله " .

التالي السابق


الخدمات العلمية