[ ص: 66 ] خلاصة القول في  
تفسير البسملة  
والكلام على تفسير البسملة مستوفى في كتب المفسرين ، ولنذكر خلاصة ذلك فنقول : الباء أداة تخفض ما بعدها ،  
ومعناها في البسملة  الاستعانة ، وتطويلها في القرآن تعظيما لكتاب الله عز وجل ،  
وإسقاط الألف من الاسم     ; طلبا للخفة لكثرة استعمالها ، وقيل لما أسقطوا الألف ، ردوا طولها على الباء ; ليدل على السقوط ، ولذلك لما كتبت الألف في (  
اقرأ باسم ربك الذي خلق     ) ، ( العلق 1 ) ، ردت الباء إلى هيئتها ، والاسم هو المسمى وعينه وذاته ، فإنك تقول : يا الله يا رحمن يا رحيم ، فتدعوه بأسمائه التي سمى بها نفسه ، كما قال تعالى : (  
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها     ) ، ( الأعراف : 180 ) ، وقال تعالى : (  
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى     ) ، ( الإسراء : 110 ) ، ولو كانت أسماء الله غيره ، لكان الداعي بها مشركا إذ دعا مع الله غيره ولكانت مخلوقة ، إذ كل ما سوى الله مخلوق ، وهذا هو الذي حاوله الملحدون في أسماء الله - تعالى - وصفاته ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وسيأتي بسط القول في ذلك إن شاء الله - تعالى - في الكلام على الأسماء .  
( الله ) علم على ذاته تبارك وتعالى ، وكل الأسماء الحسنى تضاف إليه ، كما قال تعالى : (  
ولله الأسماء الحسنى     ) ، وقال تعالى : (  
الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى     ) ، ( طه 8 ) ، ألا ترى أنك تقول : الرحمن من أسماء الله - تعالى - والرحيم من أسماء الله ونحو ذلك ، ولا تقول : الله من أسماء الرحمن ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024030إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة     . واختلفوا في كونه  
مشتقا أو لا     .  
ذهب  
الخليل   nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه  وجماعة من أئمة اللغة  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ،  
والخطابي  ، وإمام الحرمين ومن وافقهم إلى عدم اشتقاقه ; لأن الألف واللام فيه لازمة ، فتقول : يا الله ، ولا تقول يا الرحمن ، فلولا أنه من أصل الكلمة ، لما جاز إدخال حرف النداء      
[ ص: 67 ] على الألف واللام .  
وقال آخرون : إنه مشتق ، واختلفوا في اشتقاقه إلى أقوال ، أقواها أنه مشتق من أله يأله إلاهة ، فأصل الاسم الإله ، فحذفت الهمزة وأدغمت اللام الأولى في الثانية وجوبا ، فقيل الله ، ومن أقوى الأدلة عليه قوله تعالى : (  
وهو الله في السماوات وفي الأرض     ) ، ( الأنعام : 3 ) مع قوله عز وجل : (  
وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله     ) ، ( الزخرف : 84 ) ، ومعناه ذو الألوهية التي لا تنبغي إلا له ، ومعنى أله يأله إلهة : عبد يعبد عبادة ، فالله المألوه ، أي المعبود ، ولهذا الاسم خصائص لا يحصيها إلا الله عز وجل .  
وقيل إنه هو الاسم الأعظم .  
(  
الرحمن الرحيم     ) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ، ورحمن أشد مبالغة من رحيم ، فالرحمن يدل على الرحمة العامة ، كما قال تعالى : (  
الرحمن على العرش استوى     ) ، ( طه 5 ) ، والرحيم يدل على الرحمة الخاصة بالمؤمنين ، كما قال تعالى : (  
وكان بالمؤمنين رحيما     ) ، ( الأحزاب : 43 ) ، ذكره  
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  بسنده عن  
العزرمي  بمعناه ، وفي الدعاء المأثور : رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .   
[ ص: 68 ] والظاهر المفهوم من نصوص الكتاب والسنة أن اسمه الرحمن يدل على الصفة الذاتية من حيث اتصافه - تعالى - بالرحمة ، واسمه الرحيم يدل على الصفة الفعلية من حيث إيصاله الرحمة إلى المرحوم ، فلهذا قال تعالى : (  
وكان بالمؤمنين رحيما     ) ، (  
إنه بهم رءوف رحيم     ) ، ( التوبة : 117 ) ، ولم يأت قط إنه بهم رحمن ، ووصف نبيه  
محمدا      - صلى الله عليه وسلم - بأنه رءوف رحيم ، فقال تعالى : (  
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم     ) ، ( التوبة : 128 ) ، ولم يصف قط أحدا من خلقه أنه رحمن ، فتأمل ذلك ، والله أعلم .  
( راض ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره وأنا راض ( به ) أي بالله - عز وجل - ( مدبرا ) حال من الضمير المجرور ، أي بتدبيره لي في جميع شئوني ، فإن أزمة الأمور بيده ، وهو الذي يعلم ما لا نعلم ، ويقدر ما لا نقدر ، وهو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، (  
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما     ) ، ( الطلاق : 12 ) ، و ( معينا ) لي على جميع أموري الدينية والدنيوية ، فإني لا أقدر إلا على ما أقدرني عليه ، ولا علم لي إلا ما علمنيه ، فلا أعبد إلا إياه ، ولا أستعين إلا به ، ولا أتوكل إلا عليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه .