معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
( فصل ) [ ما قالته اليهود في النار ] قالت اليهود قبحهم الله : إن النار يدخلها قوم من الكفار ويخرجون منها بعد أيام ثم يخلفهم آخرون كما قص الله تعالى ذلك عنهم في سورة البقرة إذ يقول تعالى : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ( البقرة : 80 ) ثم رد ذلك عليهم بقوله تعالى : ( قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ( البقرة : 80 - 82 ) وقال تعالى في آل عمران : [ ص: 868 ] ( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) ( آل عمران : 24 - 25 ) وقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود . فجمعوا له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبوكم ؟ قالوا : أبونا فلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم ، بل أبوكم فلان . فقالوا : صدقت وبررت . فقال صلى الله عليه وسلم : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ فقالوا نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته لأبينا . قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أهل النار ؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا فيها ، والله لا نخلفكم فيها أبدا . ثم قال لهم : فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا نعم . فقال : هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ فقالوا نعم . فقال : ما حملكم على ذلك ؟ فقالوا : أردنا إن كنت كذابا نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك " .

وقال ابن عربي إمام الاتحادية محي الزندقة والإلحاد في آيات الله تعالى : إن أهلها يعذبون فيها ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها طبعهم .

وقال الجهم وشيعته : إن الجنة والنار تفنيان كلاهما لأنهما حادثتان ، وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه . بناء على أصله الفاسد في منع تسلسل الحوادث وبقائها بإبقاء الله تعالى لها .

وقال طائفة من المعتزلة والقدرية : لم يكونا الآن موجودتين بل ينشئهما الله [ ص: 869 ] تعالى يوم القيامة . وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله وأنه ينبغي أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا قياسا لله تعالى على خلقه في أفعالهم ، فهم مشبهة في الأفعال ، ودخل التجسيم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة وقالوا : خلق الجنة والنار قبل الجزاء عبث ؛ لأنها تصير معطلة مددا متطاولة . فردوا من نصوص الكتاب والسنة ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى وحرفوا النصوص عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم قبحهم الله تعالى .

وقال أبو الهذيل العلاف : تفنى حركات أهل الجنة والنار ويصيرون جمادا لا يحسون بنعيم ولا ألم . وكل هذه الأقوال مخالفة لصحيح المعقول وصريح المنقول ، ومحادة ومشاقة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم ، وتقديم للعقول السخيفة ، وزبالة الأذهان البعيدة والقلوب الشقية الطريدة ، وزخارف فاسدي السيرة والسريرة والظاهر والباطن والعمل والعقيدة . وما أحسن ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته الكافية الشافية في أثناء حكايته عقيدة جهم وشيعته دمرهم الله تعالى :


وقضى بأن الله كان معطلا والفعل ممتنع بلا إمكان     ثم استحال وصار مقدورا له
من غير أمر قام بالديان     بل حاله سبحانه في ذاته
قبل الحدوث وبعده سيان     وقضى بأن النار لم تخلق ولا
جنات عدن بل هما عدمان     فإذا هما خلقا ليوم معادنا
فهما على الأوقات فانيتان     وتلطف العلاف من أتباعه
فأتى بضحكة جاهل مجان     قال الفناء يكون في الحركات لا
في الذات واعجبا لذا الهذيان     أيصير أهل الخلد في جناتهم
وجحيمهم كحجارة البنيان     ما حال من قد كان يغشى أهله
عند انقضاء تحرك الحيوان     وكذاك ما حال الذي رفعت يدا
ه أكلة من صحفة وخوان     فتناهت الحركات قبل وصولها
للفم عند تفتح الأسنان     وكذاك ما حال الذي امتدت يد
منه إلى قنو من القنوان [ ص: 870 ]     فتناهت الحركات قبل الأخذ هل
يبقى كذلك سائر الأزمان     تبا لهاتيك العقول فإنها
والله قد مسخت على الأبدان     تبا لمن أضحى يقدمها على ال
آثار والأخبار والقرآن



التالي السابق


الخدمات العلمية