معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
( فصل ) : المرتبة الثانية من مراتب الإيمان بالقدر الإيمان بكتاب الله تعالى الذي لم يفرط فيه من شيء ، قال الله - عز وجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ، ( الأنعام 38 ) ، وقال تعالى : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) ، ( يس 12 ) ، وقال تعالى : ( وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر ) ، ( القمر 53 ) وقال تعالى عن موسى حين قال له فرعون : ( فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) ، ( طه 52 ) [ ص: 925 ] وقال تعالى : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ) ، ( الحج 70 ) ، وقال تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) - إلى قوله - ( ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) ، ( الأنعام 59 ) ، وقال تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) ، ( يونس 61 ) ، وقال تعالى : ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ) ، ( فاطر 11 ) إلى غير ذلك من الآيات التي يقرن فيها بين إثبات العلم والكتاب ، أو يذكر كل على حدته . وكتابه تعالى من علمه .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى - : حدثنا عبدان بن أبي حمزة عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي - رضي الله عنه - قال : كنا جلوسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه عود ينكت في الأرض وقال : ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة . فقال رجل من القوم : ألا نتكل يا رسول الله ؟ قال لا اعملوا فكل ميسر . ثم قرأ ( فأما من أعطى واتقى ) ( الليل 5 ) .

ورواه مسلم بأبسط منه فقال - رحمه الله تعالى : حدثنا عثمان بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم ، واللفظ لزهير ، قال إسحاق : أخبرنا ، وقال الآخران : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي - رضي الله عنه - قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد ، وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة ، فنكس فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : ما منكم من أحد ، ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله تعالى مكانها من الجنة والنار ، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة . قال : فقال رجل : يا رسول الله [ ص: 926 ] ، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال : من كان من أهل السعادة ، فسيصير إلى عمل أهل السعادة ، ومن كان من أهل الشقاوة ، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة . فقال : اعملوا فكل ميسر . أما أهل السعادة ، فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة ، فييسرون لعمل أهل الشقاوة ، ثم قرأ ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) ( الليل 5 - 10 ) وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو الزبير ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير عن جابر . قال : جاء سراقة بن مالك بن جعشم قال : يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيما العمل اليوم ؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أم فيما نستقبل ؟ قال : لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير . قال ففيم العمل ؟ قال زهير : ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه ، فسألت ما قال ؟ فقال اعملوا فكل ميسر " وفي رواية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل عامل ميسر لعمله " .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : باب ( وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) ، ( الأنبياء 95 ) ، ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) ، ( هود 36 ) ، ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ، ( نوح 27 ) وقال منصور بن النعمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهم : وحرم بالحبشية وجب . حدثني محمود بن غيلان ، حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه . ورواه مسلم [ ص: 927 ] بهذا اللفظ ، وبلفظ قال - صلى الله عليه وسلم : كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا ، مدرك ذلك لا محالة ، فالعينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطا ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه .

وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى : حدثنا يونس ، حدثنا الليث ، عن قيس بن الحجاج ، عن حنش الصنعاني ، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه ركب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يا غلام ، إني معلمك كلمات ، ينفعك الله بهن ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .

ورواه الترمذي بنحوه ، وقال : حسن صحيح .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ليث حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان ؟ قال : قلنا : لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين تبارك وتعالى بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ، ثم قال للذي في يساره هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا . فقال أصحاب : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأي شيء إذن نعمل إن كان هذا أمرا قد فرغ منه ؟ قال [ ص: 928 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار ليختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ، ثم قال بيده فقبضها ، ثم قال فرغ ربكم عز وجل من العباد ثم قال : باليمنى فنبذ بها فقال فريق في الجنة ونبذ باليسرى فقال فريق في السعير . ورواه الترمذي بنحوه وقال : حديث حسن صحيح غريب ، وغير ذلك من الأحاديث كثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية