معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
( فصل ) والإيمان بكتابة المقادير يدخل فيه خمسة تقادير :

( الأول ) : التقدير الأزلي قبل خلق السماوات والأرض عندما خلق الله تعالى القلم ، كما قال ربنا - تبارك وتعالى : ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) ، ( التوبة 51 ) الآية ، وقال سبحانه وتعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) ، ( الحديد 22 ) .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب ، فأتاه ناس من بني تميم فقال : اقبلوا البشرى يا بني تميم . قالوا : قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قد قبلنا يا رسول الله . قالوا : جئناك نسألك عن أول هذا الأمر . قال : كان الله ولم يكن شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، وخلق السموات والأرض ، فنادى مناد : ذهبت ناقتك يا ابن الحصين ، فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب ، فوالله لوددت أني كنت تركتها " .

[ ص: 929 ] وقال مسلم - رحمه الله تعالى : حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن سرح ، حدثنا ابن وهب أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء .

ولهما عن أبي هريرة حديث احتجاج آدم وموسى ، وهذا اللفظ لمسلم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتج آدم وموسى - عليهما السلام - عند ربهما ، فحج آدم موسى . قال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك في جنته ، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض . فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجيا ، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق ؟ قال موسى : بأربعين عاما . قال آدم : فهل وجدت فيها ( وعصى آدم ربه فغوى ) ( طه 121 ) قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فحج آدم موسى . وله عندهما وغيرهما ألفاظ من طرق كثيرة .

وقال أبو داود - رحمه الله تعالى : حدثنا جعفر بن مسافر الهذلي ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا الوليد بن رباح ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أبي حفصة قال : قال عبادة بن الصامت لابنه : يا بني ، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب . قال : رب ، وماذا أكتب ؟ قال : مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة . يا بني ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من مات على غير هذا فليس مني [ ص: 930 ] وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : حدثنا يحيى بن موسى ، أخبرنا أبو داود الطيالسي ، أخبرنا عبد الواحد بن سليم قال : قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح ، فقلت له : يا أبا محمد ، إن أهل البصرة يقولون في القدر . قال : يا بني ، أتقرأ القرآن ؟ قلت : نعم . قال : فاقرأ الزخرف . قال : فقرأت ( حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) ، ( الزخرف 1 - 4 ) قال : أتدري ما أم الكتاب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السماء ، وقبل أن يخلق الأرض ، فيه إن فرعون من أهل النار ، وفيه تبت يدا أبي لهب وتب . قال عطاء : فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته : ما كانت وصية أبيك عند الموت ؟ قال : دعاني فقال : يا بني ، اتق الله ، واعلم أنك لن تتقي الله تعالى حتى تؤمن بالله وتؤمن بالقدر كله خيره وشره ، فإن مت على غير هذا دخلت النار ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول ما خلق الله تعالى القلم ، فقال : اكتب . قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، ما كان وما هو كائن إلى الأبد . هذا حديث غريب .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : قال أصبغ : أخبرني ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله ، إني رجل شاب ، وأخاف على نفسي العنت ، ولا أجد ما أتزوج به النساء ، فسكت عني ، ثم قلت مثل ذلك ، فسكت عني ، ثم قلت مثل ذلك ، فسكت عني ، ثم قلت مثل ذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، جف القلم بما أنت لاق ، فاختصر على ذلك أو ذر . وغير ذلك من الأحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية