معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
ذكر ما جاء من الأحاديث في ذم القدرية .

تقدم في الحديث الذي رواه مسلم ، عن أبي هريرة أن هذه الآية ( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 47 - 49 ) أنها نزلت في المخاصمين في القدر . وتقدم فيهم أحاديث الصحابة من روايتهم سؤال جبريل عن الدين وغير ذلك من الأحاديث التي سقناها متفرقة في مواضع من هذا المجموع .

وقال أبو داود - رحمه الله تعالى : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : حدثني بمنى ، عن أبيه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : القدرية مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم . ورواه الإمام أحمد عنه بلفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لكل أمة [ ص: 956 ] مجوس ، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر ، إن مرضوا فلا تعودوهم . . . الخ . وفي رواية : إن لكل أمة مجوسا ، وإن مجوس أمتي المكذبون بالقدر . . . الخ . وله عنه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سيكون في هذه الأمة مسخ ، ألا وذاك في المكذبين بالقدر والزنديقية . وله عن نافع قال : كان لابن عمر - رضي الله عنهما - صديق من أهل الشام يكاتبه ، فكتب إليه مرة عبد الله بن عمر : إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر ، فإياك أن تكتب إلي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر .

وللترمذي ، عن نافع ، عنه - رضي الله عنه : جاءه رجل فقال : إن فلانا يقرأ عليك السلام ، فقال : إنه بلغني أنه قد أحدث ، فإن كان قد أحدث ، فلا تقرئه مني السلام ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 957 ] يقول : في هذه الأمة ، أو في أمتي - الشك منه - خسف أو مسخ أو قذف في أهل القدر . هذا الحديث حسن صحيح غريب .

وقال أبو داود - رحمه الله - أيضا : حدثنا محمد بن أبي كثير ، أخبرنا سفيان ، عن عمر بن محمد ، عن عمر مولى غفرة ، عن رجل من الأنصار ، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لكل أمة مجوسا ، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ، من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ، ومن مرض منهم فلا تعودوهم ، وهم شيعة الدجال ، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال .

وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري أبو عبد الرحمن قال : حدثني سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني عطاء بن دينار ، عن حكيم بن شريك الهذلي ، عن يحيى بن ميمون الحضرمي ، عن ربيعة الحرشي ، عن أبي هريرة ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم . صحيح .

وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن وهب بن خالد الحمصي ، عن ابن الديلمي قال : أتيت أبي بن كعب ، فقلت له : وقع في نفسي شيء من القدر ، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي ، فقال : لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالمهم ، ولو رحمهم ، كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر ، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، ولو مت على غير هذا لدخلت النار . قال : ثم أتيت [ ص: 958 ] عبد الله بن مسعود ، فقال مثل ذلك . قال : ثم أتيت حذيفة بن اليمان ، فقال مثل ذلك . قال : ثم أتيت زيد بن ثابت ، فحدثني ، عن النبي مثل ذلك . وتقدم ذكر وصية عبادة لابنه في ذلك .

وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، أخبرنا محمد بن فضيل ، عن القاسم بن حبيب وعلي بن نزار ، عن نزار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة ، والقدرية . هذا حديث حسن غريب .

وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا أبو داود ، أنبأنا شعبة ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر .

وقال - رحمه الله تعالى : باب ما جاء من التشديد في الخوض في القدر . ، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ، أنبأنا صالح المري ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم - [ ص: 959 ] ونحن نتنازع في القدر ، فغضب حتى احمر وجهه ، حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان ، فقال : أبهذا أمرتم ، أم بهذا أرسلت إليكم ؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر ، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه .

ولأحمد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، والناس يتكلمون في القدر ، قال وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، قال فقال لهم : ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم . قال : فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده . ورواه ابن ماجه ولأحمد ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا مكذب بقدر .

وله عن محمد بن عبيد المكي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قيل لابن عباس - رضي الله عنهما : إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر ، فقال : دلوني عليه ، وهو يومئذ قد عمي . قالوا : وما تصنع به يا أبا عباس ؟ قال : والذي نفسي بيده ، لئن استمكنت منه ، لأعضن أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته في يدي ، لأدقنها ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج تصطفق ألياتهن مشركات ، هذا أول شرك هذه الأمة ، والذي نفسي بيده ، لينتهين بهم سوء رأيهم [ ص: 960 ] حتى يخرجوا الله من أن يكون قدر خيرا ، كما أخرجوه من أن يكون قدر شرا .

وروى البزار ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : ما نزلت هذه الآيات ( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 47 - 49 ) إلا في أهل القدر .

ولابن أبي حاتم ، عن ابن زرارة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا هذه الآية ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 48 - 49 ) قال : نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله .

وروى الحسن بن عرفة ، عن عطاء بن أبي رباح قال : أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم ، وقد ابتلت أسافل ثيابه ، فقلت له : تكلم في القدر . فقال : أو قد فعلوها ؟ قلت : نعم . قال : فوالله ، ما نزلت هذه الآية إلا فيهم ( ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 48 - 49 ) أولئك شرار هذه الأمة ، فلا تعودوا مرضاهم ، ولا تصلوا على موتاهم ، إن رأيت أحدا منهم ، فقأت عينيه بأصبعي هاتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية