معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
[ ص: 1004 ] ( فصل ) : ست مسائل تتعلق بمباحث الدين .

في مسائل تتعلق بما تقدم من مباحث الدين :

( الأولى ) : كون الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .

( والثانية ) : تفاضل أهله فيه .

( والثالثة ) : أن فاسق أهل الملة الإسلامية ، لا يكفر بذنب دون الشرك ولوازمه إلا إذا استحله .

( والرابعة ) : أنه لا يخلد في النار .

( والخامسة ) : أنه في العقاب وعدمه تحت المشيئة .

( والسادسة ) : أن التوبة في حق كل فرد مقبولة ، ما لم يغرغر سواء من كفر أو دونه من أي ذنب كان .

1 - الإيمان يزيد وينقص .


إيماننا يزيد بالطاعات ونقصه يكون بالزلات

.

هذه هي المسألة الأولى من مسائل الفصل ، وهي أن الإيمان يزيد وينقص ، وعلى ذلك ترجم البخاري - رحمه الله تعالى - في كتابه ، فقال في جامعه كتاب [ ص: 1005 ] الإيمان ، باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس ، وهو قول وفعل ، ويزيد وينقص ، قال الله تعالى : ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) ، ( الفتح 4 ) ، ( وزدناهم هدى ) ، ( الكهف 13 ) ، ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) ، ( مريم 76 ) ، وقال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) ، ( محمد 17 ) ، ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) ، ( المدثر 31 ) ، وقوله تعالى : ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) ، ( الأحزاب 22 ) .

وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان ، وساق فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله ، وحديث : يا معشر النساء تصدقن . . . الخ ، وهو في الصحيحين ، والشاهد منه قوله - صلى الله عليه وسلم : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرأي منكن .

وذكر حديث أبي هريرة ، وهو في الصحيحين أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون بابا ، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأرفعها قول لا إله إلا الله . هذا لفظ الترمذي ، وقال : حسن صحيح ، ولفظه " بضع وستون " . ولمسلم رواية " بضع وسبعون " لكن قالا : " شعبة " بدل " بابا " .

وقال النسائي : باب زيادة الإيمان ، وذكر فيه حديث الشفاعة ، ودلالته منطوقا [ ص: 1006 ] على تفاضل أهل الإيمان فيه ، وأما الزيادة والنقص ، فدلالته عليها مفهوما لا منطوقا .

ومثله حديث أبي سعيد الخدري : رأيت الناس وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي . الحديث ، وفيه : وعرض علي عمر بن الخطاب ، وعليه قميص يجره ، قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين . ثم ذكر حديث عمر في نزول قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ، ( المائدة 3 ) ، ودلالتها على ذلك منطوقا ، وعلى ذلك ترجم البخاري - رحمه الله تعالى - وقال : حدثنا الحسن بن الصباح ، سمع جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس قال : أخبرنا قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت ، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : أي آية ؟ قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، ( المائدة 3 ) ، قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم ، والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة . وعلى ذلك ترجم أبو داود وغيره من أئمة السنة ، وساقوا في ذلك أحاديث تتضمنه منطوقا ومفهوما .

قال مسلم بن الحجاج - رحمه الله تعالى : حدثنا يحيى بن يحيى التيمي وقطن بن نسير ، واللفظ ليحيى ، أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي عثمان النهدي ، عن حنظلة الأسيدي قال ، وكان من كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لقيني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال قلت : نافق حنظلة . قال : سبحان الله ، ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج [ ص: 1007 ] والأولاد الصغار ، فنسينا كثيرا . قال أبو بكر - رضي الله عنه : فوالله ، إنا لنلقى مثل هذا . فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : نافق حنظلة يا رسول الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قلت : يا رسول الله ، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيرا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ، ساعة وساعة . ثلاث مرات .

حدثني إسحاق بن منصور ، أخبرنا عبد الصمد ، سمعت أبي يحدث ، حدثنا سعيد الجريري ، عن أبي عثمان النهدي ، عن حنظلة قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوعظنا ، فذكر النار . قال : ثم جئت إلى البيت ، فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة ، قال : فخرجت فلقيت أبا بكر ، فذكرت ذلك له . قال : وأنا قد فعلت مثل ما تذكر . فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، نافق حنظلة . فقال : مه ! فحدثته بالحديث ، فقال أبو بكر : وأنا قد فعلت مثل ما فعل . فقال : يا حنظلة ، ساعة ساعة ، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر ، لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق . ومن طريق ثالث : فذكرنا الجنة والنار . . . الحديث .

وعلى هذا إجماع الأئمة المعتد بإجماعهم ، وأن الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص ، وإذا كان ينقص بالفترة عن الذكر ، فلأن ينقص بفعل المعاصي من باب أولى ، كما سيأتي إن شاء الله - تبارك وتعالى - بيانه قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية