معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
المسألة الثانية : أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ جميع ما أرسل به ، لم يكتم منه حرفا واحدا ، قال الله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( المائدة 67 ) .

وفي الصحيحين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك .

وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل قوله - صلى الله عليه وسلم : وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء [ ص: 1109 ] وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ، الحديث .

وفيهما من حديث ابن عباس في ذلك الجمع الأعظم حين خطب : اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت ؟ ومن حديث أبي بكرة في تلك الخطبة أيضا : ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من سامع . وفي صحيح البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال : قلت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر .

وفيه من رواية الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - قال : ما عندنا شيء إلا كتاب الله ، وهذه الصحيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم : المدينة حرم ما بين عير إلى كذا ، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، الحديث . وفي رواية قال : خطبنا علي - رضي الله عنه - على منبر من آجر ، وعليه سيف فيه صحيفة معلقة ، فقال : والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة فنشرها ، فإذا فيها أسنان الإبل ، وإذا فيها : المدينة حرم من عير إلى كذا ، فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . وإذا فيه : ذمة المسلمين واحدة ، يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلما ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا . وإذا فيها : من والى قوما بغير إذن مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .

ولابن أبي حاتم ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : كنت [ ص: 1110 ] عند ابن عباس ، فجاء رجل فقال له : إن أناسا يأتون فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس . فقال ابن عباس : ألم تعلم أن الله تعالى قال : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( المائدة 67 ) ، والله ، ما ورثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء في بيضاء . وإسناده جيد .

وتقدم قول عائشة - رضي الله عنها - قالت : من حدثك أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا مما أنزل عليه ، فقد كذب ، والله تعالى يقول : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( المائدة 67 ) الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية