معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
( المسألة الخامسة ) : أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم الرسل ، فلا نبي بعده ، وكتابه خاتم الكتب ، فلا كتاب بعده ، فهو محكم أبدا ، وهذه المسألة هي المشار إليها بهذا البيت والذي بعده :


وكل من من بعده قد ادعى نبوة فكاذب فيما ادعى     فهو ختام الرسل باتفاق
وأفضل الخلق على الإطلاق

.

قال الله - تبارك وتعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ( الأحزاب 40 ) وقال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ( البقرة 143 ) [ ص: 1115 ] ، وقال تعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( آل عمران 144 ) وقال تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( النساء 163 ) إلى غير ذلك من الآيات .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثني معن ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب . ورواه مسلم وزاد : وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي .

وله عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمي لنا نفسه أسماء ، فقال : أنا محمد ، وأحمد ، والمقفى ، والحاشر ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : باب خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم ، حدثنا محمد بن سنان ، حدثنا سليم ، حدثنا سعيد بن ميناء ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا ، فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلونها يتعجبون ، ويقولون : لولا موضع اللبنة . رواه مسلم ، وزاد : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : فأنا موضع اللبنة ، جئت فختمت الأنبياء . وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله قال : إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا ، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون : هلا [ ص: 1116 ] وضعت هذه اللبنة ؟ قال - صلى الله عليه وسلم : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين . رواه مسلم من طرق ، وله عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل النبيين . . . فذكر نحوه . وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى : حدثنا أبو عامر الأزدي ، حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها ، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها ، وجعل الناس يطوفون بالبنيان ، ويعجبون منه ويقولون : لو تم موضع هذه اللبنة ، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة .

ورواه الترمذي ، عن أبي عامر العقدي به ، وقال : حسن صحيح .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى تبوك واستخلف عليا ، فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه ليس نبي بعدي . ورواه مسلم من طريق مصعب هذه ، ومن طريق سعيد بن المسيب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي . قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعدا ، فلقيت سعدا ، فحدثته بما حدثني به عامر ، فقال : أنا سمعته ، فقلت : أنت سمعته ؟ فوضع إصبعيه على أذنيه ، فقال : نعم ، وإلا سكتا . وتقدم في حديث ذكر الدجال قوله - صلى الله عليه وسلم : إنه يبدأ فيقول إنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي . الحديث . وفي حديث ثوبان الطويل [ ص: 1117 ] عند أبي داود وغيره : وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي .

وللبخاري ومسلم وهذا لفظه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون ، ونحن السابقون يوم القيامة ، بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا - هدانا الله له - فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد .

وفي رواية : وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق . وفي صحيح البخاري في غير موضع من صحيحه من طرق ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى ، كرجل استعمل عمالا ، فقال : من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط . فقال : من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط . فقال : من يعمل من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ قال : ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ، ألا لكم الأجر مرتين . فغصبت اليهود والنصارى ، فقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء . قال الله تعالى : هل ظلمتكم من حقكم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإنه فضلي أوتيه من شئت .

ولهما عن أبي حازم قال : قاعدت أبا هريرة - رضي الله عنه - خمسين سنين ، سمعته يحدث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كانت بنو إسرائيل [ ص: 1118 ] تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلف نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون خلفاء فيكثرون . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فوا ببيعة الأول فالأول ، أعطوهم حقهم ، فإن الله تعالى سائلهم عما استرعاهم .

وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ، فلا رسول بعدي ولا نبي . قال : فشق ذلك على الناس ، فقال : ولكن المبشرات . قالوا : يا رسول الله ، وما المبشرات ؟ قال : رؤيا الرجل المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة .

وللبخاري من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لم يبق من النبوة إلا المبشرات . قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة .

وقال مسلم - رحمه الله تعالى : حدثنا يحيى بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد ، وعلي بن حجر قالوا : حدثنا إسماعيل ، وهو ابن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون . وروى الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته .

وله عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما كالمودع ، فقال : أنا محمد النبي الأمي ثلاثا ، ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه .

[ ص: 1119 ] وقد وردت عدة أحاديث في صفة خاتم النبوة بين كتفيه آية باهرة ، ودلالة ظاهرة على أنه لا نبي بعده ، لا بأس أن نذكر ما تيسر منها . فروى البخاري ومسلم ، عن السائب عبد الله بن يزيد - رضي الله عنه - قال : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وقع ، فمسح رأسي ، ودعا لي بالبركة ، وتوضأ فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتم بين كتفيه مثل زر الحجلة .

ولمسلم ، عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شمط مقدم رأسه ولحيته ، وكان إذا ادهن لم يتبين ، وإذا شعث رأسه تبين ، وكان كثير شعر اللحية ، فقال رجل : وجهه مثل السيف ، قال : بل كان مثل الشمس والقمر ، وكان مستديرا ، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده ، وفي رواية قال : رأيت خاتما في ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه بيضة حمام .

وله عن عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكلت معه خبزا ولحما ، أو قال : ثريدا ، قال : فقلت له : استغفر لك النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولك ، ثم تلا هذه الآية واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات . قال : ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عن ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل .

وروى أبو داود الطيالسي ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسولا الله ، أرني الخاتم . فقال : أدخل يدك ، فأدخلت يدي في جربانه ، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم ، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة ، فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي ، وإن يدي لفي جربانه .

ورواه النسائي ، وروى الإمام أحمد ، عن أبي رمثة التيمي قال : خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت برأسه ردع حناء ، ورأيت على كتفه مثل التفاحة ، فقال أبي : إني طبيب ، أفلا أطبها لك ؟ قال : طبيبها الذي خلقها . قال : وقال [ ص: 1120 ] لأبي : هذا ابنك ؟ قال : نعم . قال : أما إنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه .

وروى البيهقي ، عن سلمان الفارسي قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى رداءه ، وقال : يا سلمان ، انظر إلى ما أمرت به . قال : فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة ، وروى يعقوب بن سفيان بإسناده ، عن التنوخي الذي بعثه هرقل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وهو بتبوك الحديث ، وفيه : فحل حبوته عن ظهره ، ثم قال : ههنا امض لما أمرت به . قال : فجلت في ظهره ، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل الحجمة الضخمة .

وروى الإمام أحمد ، عن غياث البكري قال : كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة ، فسألته عن خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان بين كتفيه ، فقال بأصبعه السبابة : هكذا لحم ناشز بين كتفيه - صلى الله عليه وسلم .

وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن عبد الله بن أبي حسين ، حدثنا نافع بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول : إن جعل لي محمد من بعده - يعني : الأمر ، تبعته . وقدمها في بشر كثير من قومه ، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس ، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه ، وقال : لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت ، وهذا ثابت يجيبك عني ، ثم انصرف عنه . قال ابن عباس : فسألت عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت ، فأخبرني أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب [ ص: 1121 ] فأهمني شأنهما ، فأوحي إلي في المنام أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي : أحدهما العنسي ، والآخر مسيلمة .

حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في كفي سواران من ذهب ، فكبر علي ، فأوحي إلي أن انفخهما ، فنفختهما فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما : صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا ، وفيما أشرنا إليه كفاية .

( فهو ) محمد - صلى الله عليه وسلم - ( ختام الرسل ) فلا نبي بعده ، والرسالة من باب أولى ، إذ لا يرسل إلا بعد أن يتنبأ ، فالنبوة وحي مطلق مجرد ، فإن أمر بتبليغه فرسالة ، فكل رسول نبي ولا عكس ( باتفاق ) من كل كتاب منزل وكل نبي مرسل وكل مؤمن بالله واليوم الآخر ، ( وأفضل الخلق ) كلهم ( على الاطلاق ) بلا استثناء ، قال الله - تبارك وتعالى : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ( البقرة 253 ) .

قال أئمة التفسير من الصحابة فمن بعدهم : هو محمد - صلى الله عليه وسلم - وتقدم قوله - صلى الله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر . وقد أخذ الله - عز وجل - على جميع الرسل الميثاق في الإيمان به ونصرته ، وبشر به كل نبي قومه ، وبعث إلى الجن والإنس ، والأسود والأحمر كافة ، وأتي في الدنيا من المعجزات ما لم يؤته نبي قبله من انشقاق القمر ، وحنين الجذع إليه ، ونبع الماء من أصابعه ، وتسليم الأشجار والأحجار عليه ، وغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية