معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
خلافة عثمان ، رضي الله عنه .


ثالثهم عثمان ذو النورين ذو الحلم والحيا بغير مين     بحر العلوم جامع القرآن
منه استحت ملائك الرحمن     بايع عنه سيد الأكوان
بكفه في بيعة الرضوان

.

( ثالثهم ) في الخلافة والفضل كما في حديث ابن عمر السابق ( عثمان ) بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، من السابقين الأولين إلى الإسلام بدعوة الصديق إياه ، وزوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية ابنته - رضي الله عنها ، وهاجر الهجرتين وهي معه ، وتخلف عن بدر لمرضها ، وضرب له النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره ، وبعد وفاتها زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها ، وبذلك تسمى ( ذو النورين ) ; لأنه تزوج ابنتي نبي ، واحدة بعد واحدة ، ولم يتفق ذلك لغيره - رضي الله عنه .

( ذا الحلم ) التام الذي لم يدركه غيره ( والحياء ) الإيماني الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم : الحياء شعبة من الإيمان ، وقال : أشدكم حياء عثمان . ( بحر العلوم ) [ ص: 1161 ] الفهم التام في كتاب الله تعالى حتى إن كان ليقوم به في ركعة واحدة ، فلا يركع إلا في خاتمتها ، إلا ما كان من سجود القرآن .

( جامع القرآن ) لما خشي الاختلاف في القرآن والخصام فيه في أثناء خلافته - رضي الله عنه ، فجمع الناس على قراءة واحدة ، وكتب المصحف على القراءة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر سني حياته .

وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات ، وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدرداء ، وجماعة من أهل العراق ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى ، وجعل من لا يعلم بجواز القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره ، وربما خطأه الآخر أو كفره ، فأدى ذلك إلى خلاف شديد وانتشار الكلام السيء بين الناس ، فركب حذيفة إلى عثمان فقال : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم ، وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة ، فعند ذلك جمع الصحابة وشاورهم في ذلك ، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد ، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه لما رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة ودفع الاختلاف ، فاستدعى بالصحف التي كان أمر زيد بن ثابت بجمعها ، فكانت عند الصديق أيام حياته ، ثم كانت عند عمر ، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين ، فاستدعى بها عثمان ، وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب ، وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي ، وعبد الرحمن [ ص: 1162 ] بن الحارث بن هشام المخزومي ، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش ، فكتب لأهل الشام مصحفا ، ولأهل مصر آخر ، وبعث إلى البصرة مصحفا ، وإلى الكوفة بآخر ، وأرسل إلى مكة مصحفا ، وإلى اليمن مثله ، وأقر بالمدينة مصحفا ، ويقال لهذه المصاحف " الأئمة " ، ثم عمد إلى بقية المصاحف التي بأيدي الناس مما يخالف ما كتبه ، فحرقه لئلا يقع بسببه اختلاف .

وروى أبو داود الطيالسي ، وأبو بكر بن أبي داود السجستاني ، عن سويد بن غفلة قال : قال لي علي - رضي الله عنه - حين حرق عثمان المصاحف : لو لم يصنعه هو ، لصنعته .

وروى البيهقي عنه - رضي الله عنه - قال : قال علي - رضي الله عنه : أيها الناس ، إياكم والغلو في عثمان ، تقولون حرق المصاحف ، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ولو وليت مثل ما ولي ، لفعلت مثل الذي فعل .

( منه استحت ملائك الرحمن ) كما في الصحيح ، عن عطاء ، وسليمان بن يسار ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيتي ، كاشفا عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له ، وهو على تلك الحال فتحدث ، ثم استأذن عمر فأذن له ، وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وسوى ثيابه . قال محمد - يعني : ابن أبي حرملة الراوي عنهم : ولا أقول ذلك في يوم واحد فدخل فتحدث ، فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ، ودخل عمر ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك . فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة .

[ ص: 1163 ] وعن سعيد بن العاص أن عائشة - رضي الله عنها - وعثمان - رضي الله عنه - حدثاه أن أبا بكر - رضي الله عنه - استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، ثم استأذن عمر فأذن له ، وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف ، قال عثمان : ثم استأذنت عليه فجلس ، وقال لعائشة : اجمعي عليك ثيابك . فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت ، فقالت عائشة : يا رسول الله ، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - كما فزعت لعثمان ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته .

( بايع عنه ) حين ذهب لمكة في حاجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، ( سيد الأكوان ) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكفه ضرب بها على الأخرى ، وقال : هذه لعثمان ( في بيعة الرضوان ) لما غاب عنها فيما ذكرنا ، وكان انحباسه بمكة هو سبب البيعة ، كما قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة ، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليبعثه إلى مكة ; ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله ، إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان - رضي الله عنه ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته ، فخرج عثمان - رضي الله عنه - إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فانطلق عثمان - رضي الله عنه - حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرسله به ، فقال لعثمان - رضي الله عنه - حين فرغ من رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ، فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان - رضي الله عنه - قد قتل ، قال ابن إسحاق : [ ص: 1164 ] فحدثني عبد الله بن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين بلغه أن عثمان - رضي الله عنه - قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت ، وكان جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبايعهم على الموت ، ولكن بايعنا على أن لا نفر ، فبايع الناس ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة ، فكان جابر - رضي الله عنه - يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقا بابط ناقته قد مال إليها يستتر بها من الناس ، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي كان من أمر عثمان باطل .

وفي الصحيحين ، عن عثمان بن موهب قال : جاء رجل من أهل مصر حج البيت ، فرأى قوما جلوسا فقال : من هؤلاء القوم ؟ قالوا : هؤلاء قريش . قال : فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا : عبد الله بن عمر . قال : يا بن عمر ، إني سائلك عن شيء ، فحدثني عنه ، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . قال : هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد ؟ قال : نعم . قال : هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ، فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : الله أكبر . قال ابن عمر : تعال أبين لك ، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وكانت مريضة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان ، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان ، لبعثه مكانه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان ، فكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى : هذه يد عثمان ، فضرب بها على يده ، فقال : هذه لعثمان . فقال له ابن عمر - رضي الله عنه : اذهب بها الآن معك .

[ ص: 1165 ] وروى البيهقي ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيعة الرضوان ، كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان - رضي الله عنه - خيرا من أيديهم لأنفسهم .

ورواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح .

وفي الصحيحين ، عن عروة أن عبد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا : ما منعك أن تكلم عثمان لأخيك الوليد ، فقد أكثر الناس فيه ، فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة ، قلت : إن لي إليك حاجة ، وهي نصيحة لك ، قال : يا أيها المرء ، أعوذ بالله منك ، فانصرفت فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان ، فأتيته فقال : ما نصيحتك ؟ فقلت : إن الله - سبحانه - بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، وكنت ممن استجاب لله تعالى ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم ، فهاجرت الهجرتين ، وصحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ورأيت هديه ، وقد أكثر الناس في شان الوليد . قال : أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : لا ، ولكن خلص إلي من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها . قال : أما بعد ، فإن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق ، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم ، وآمنت بما بعث به ، وهاجرت الهجرتين - كما قلت - وصحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبايعته ، فوالله ما عصيته ، ولا غششته ، حتى توفاه الله - عز وجل ، ثم أبو بكر مثله ، ثم عمر مثله ، ثم استخلفت ، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم ؟ قلت : بلى . قال : فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ؟ أما ما ذكرت من شان الوليد فسآخذ فيه بالحق إن شاء الله ، ثم دعا عليا فأمره أن يجلده ، فجلده ثمانين .

[ ص: 1166 ] وفي المسند والسنن ، عن عمرو بن جاوان قال : قال الأحنف : انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة ، فبينا نحن في منزلنا إذ جاءنا آت ، فقال : الناس في المسجد . فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد ، قال : فتخللتهم حتى قمت عليهم ، فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ، قال : فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي ، فقال : ههنا علي ؟ قالوا : نعم . قال : ههنا الزبير ؟ قالوا : نعم . قال : ههنا طلحة ؟ قالوا : نعم . قال : ههنا سعد بن أبي وقاص ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له ، فابتعته فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إني قد ابتعته . فقال : اجعله في مسجدنا ، وأجره لك ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من يبتاع بئر رومة ، فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إني قد ابتعتها - يعني : بئر رومة . قال : اجعلها سقاية للمسلمين ، ولك أجرها ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة ، فقال : من يجهز هؤلاء ، غفر الله له . فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا : اللهم نعم . فقال : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثم انصرف - رضي الله عنه .

وروى أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، عن ثمامة بن جزء القشيري قال : شهدت الدار يوم أصيب عثمان ، فاطلع عليه اطلاعة ، فقال : ادعوا لي صاحبيكم اللذين ألباكم علي ، فدعيا له ، فقال : أنشدكما الله ، تعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة ، ضاق المسجد بأهله ، فقال : من يشتري هذه البقعة من خالص ماله ، فيكون كالمسلمين ، وله خير منها في الجنة . فاشتريتها من خالص مالي ، فجعلتها بين المسلمين ، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين ، ثم قال : أنشدكم الله ، أتعلمون [ ص: 1167 ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة ، لم يكن فيها غير بئر يستعذب منه إلا بئر رومة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من يشتريها من خالص ماله ، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين ، وله خير منها في الجنة . فاشتريتها من خالص مالي ، وأنتم تمنعوني أن أشرب منها ، ثم قال : هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة ؟ قالوا : اللهم نعم . وقال الترمذي : حسن .

وله عن عبد الرحمن بن خباب - رضي الله عنه - قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحث على جيش العسرة ، فقام عثمان بن عفان فقال : يا رسول الله ، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش ، فقام عثمان فقال : يا رسول الله ، علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش ، فقام عثمان فقال : علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل من على المنبر ، وهو يقول : ما على عثمان ما عمل بعد هذا ، ما على عثمان ما عمل بعد هذا .

وله عن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة ، فنثرها في حجره ، فقال عبد الرحمن : فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقلبها في حجره ، ويقول : ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم . ( مرتين ) حسنه الترمذي .

وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في [ ص: 1168 ] قصة توعدهم إياه بالقتل ، قال : ولم يقتلونني ؟ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس . فوالله ما زنيت في جاهلية ، ولا إسلام قط ، ولا تمنيت بدلا بديني منذ هداني الله له ، ولا قتلت نفسا ، فبم يقتلونني ؟

وروى الإمام أحمد ، وغيره ، عن النعمان بن بشير ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن عفان ، فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فلما رأينا إقبال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان ، أقبلت إحدانا على الأخرى ، فكان من آخر كلمة أن ضرب على منكبه ، وقال : يا عثمان ، إن الله تعالى عسى أن يلبسك قميصا ، فإن أرادك المنافقون على خلعه ، فلا تخلعه حتى تلقاني . ( ثلاثا ) .

وروى أحمد والترمذي ، وقال : حسن غريب . عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة ، فقال : يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما . فنظرنا فإذا هو عثمان بن عفان .

وروى أحمد بإسناد جيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا ، أو قال : اختلافا وفتنة ، فقال قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ قال : عليكم بالأمين وأصحابه ، وهو يشير إلى عثمان بذلك .

[ ص: 1169 ] وله عن مرة البهزي قال : بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريق من طرق المدينة قال : كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي البقر ؟ قالوا : نصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال : عليكم هذا وأصحابه ، أو اتبعوا هذا وأصحابه . قال : فأسرعت حتى عييت ، فأدركت الرجل ، فقلت : هذا يا رسول الله ؟ قال : هذا . فإذا هو عثمان بن عفان ، فقال : هذا وأصحابه يذكره .

وروى الترمذي في جامعه عنه - رضي الله عنه - قال : لولا حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تكلمت ، وذكر الفتن فقربها ، فمر رجل متقنع في ثوب فقال : هذا يومئذ على الهدى ، فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان ، فأقبلت عليه بوجهه ، فقلت : هذا ؟ قال : نعم . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة .

وروى أحمد ، وابن ماجه ، وغيرهما ، عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة فقربها وعظمها ، قال : ثم مر رجل مقنع في ملحفة ، فقال : هذا يومئذ على الحق . قال : فانطلقت مسرعا - أو محضرا - وأخذت بضبعيه ، فقلت : هذا يا رسول الله ؟ قال : هذا .

وروى أبو داود الطيالسي بإسناد رجاله ثقات ، عن عبد الله بن حوالة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : تهجمون على رجل معتجر ببردة من أهل الجنة [ ص: 1170 ] يبايع الناس ، قال : فهجمنا على عثمان بن عفان معتجرا يبايع الناس .

وقد تقدم من الأحاديث التي تشير إلى خلافته ، وأشياء من فضائله مع ذكر صاحبيه - رضي الله عنهما ، وفي فضائله منفردا ، ومع غيره من السابقين أحاديث كثيرة ، وفيما أشرنا إليه كفاية .

وكان الاعتداء على حياته - رضي الله عنه - يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على الصحيح المشهور ، وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما ; لأنه بويع له في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين ، وأما عمره - رضي الله عنه - فإنه قد جاوز ثنتين وثمانين سنة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية