معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
تفسير قوله تعالى : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) .

وقوله تعالى : ( وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ، ( الأعراف : 180 ) ، قال ابن عباس ، وابن جريج ، ومجاهد : هم المشركون ، عدلوا بأسماء الله - تعالى - عما هي عليه ، فسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان ، وقيل هي تسميتهم الأصنام آلهة . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : يلحدون في أسمائه ، أي يكذبون . وقال قتادة : يلحدون يشركون في أسمائه . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الإلحاد التكذيب ، وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد ، والميل والجور والانحراف ، ومنه اللحد في القبر ; لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمة الحفر ا هـ . وهذه الأقوال متقاربة ، والإلحاد يعمها ، وهو ثلاثة أقسام :

الأول : إلحاد المشركين ، وهو ما ذكره ابن عباس ، وابن جريج ، ومجاهد من عدولهم بأسماء الله - تعالى - عما هي عليه ، وتسميتهم أوثانهم بها مضاهاة لله - عز وجل - ومشاقة له وللرسول - صلى الله عليه وسلم .

الثاني : إلحاد المشبهة الذين يكيفون صفات الله - عز وجل - ويشبهونها بصفات خلقه مضادة له - تعالى - وردا لقوله عز وجل : ( ليس كمثله شيء ولا يحيطون به علما ) ، وهو مقابل لإلحاد المشركين ، فأولئك جعلوا المخلوق بمنزلة الخالق ، وسووه به ، وهؤلاء جعلوا الخالق بمنزلة الأجسام المخلوقة ، وشبهوه بها - تعالى - وتقدس عن إفكهم .

[ ص: 129 ] الثالث : إلحاد النفاة ، وهم قسمان : قسم أثبتوا ألفاظ أسمائه - تعالى - دون ما تضمنته من صفات الكمال ، فقالوا : رحمن رحيم بلا رحمة ، عليم بلا علم ، حكيم بلا حكمة ، قدير بلا قدرة ، سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ، واطردوا بقية الأسماء الحسنى هكذا ، وعطلوها عن معانيها وما تقتضيه وتتضمنه من صفات الكمال لله - تعالى - وهم في الحقيقة كمن بعدهم ، وإنما أثبتوا الألفاظ دون المعاني تسترا ، وهو لا ينفعهم .

وقسم لم يتستروا بما تستر به إخوانهم ، بل صرحوا بنفي الأسماء ، وما تدل عليه من المعاني ، واستراحوا من تكلف أولئك ، وصفوا الله - تعالى - بالعدم المحض الذي لا اسم له ولا صفة ، وهم في الحقيقة جاحدون لوجود ذاته - تعالى - مكذبون بالكتاب وبما أرسل الله به رسله .

وكل هذه الأربعة الأقسام كل فريق منهم يكفر مقابله ، وهم كما قالوا كلهم كفار بشهادة الله وملائكته وكتبه ورسله والناس أجمعين من أهل الإيمان والإثبات ، الواقفين مع كلام الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية