معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء

وقد روى الثقات عن خير الملا بأنه عز وجل وعلا     في ثلث الليل الأخير ينزل
يقول هل من تائب فيقبل [ ص: 294 ]     هل من مسيء طالب للمغفره
يجد كريما قابلا للمعذره     يمن بالخيرات والفضائل
ويستر العيب ويعطي السائل



أي ، ومما يجب الإيمان به وإثباته ، وإمراره كما جاء صفة النزول للرب - عز وجل - كما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة عن فضلاء الصحابة كأبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وجبير بن مطعم ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن مسعود ، وعمرو بن عبسة ، ورفاعة الجهني ، وعثمان بن أبي العاص الثقفي ، وأبي الدرداء ، وابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وأبي الخطاب ، وعمر بن عامر السلمي ، وغيرهم رضي الله عنهم .

فعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل الله ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو شرك . رواه جماعة ، عن ابن وهب . وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن أشق على أمتي ، لأخرت العشاء الأخيرة إلى ثلث الليل ، فإنه إذا مضى ثلث الليل ، هبط الله - عز وجل - إلى سماء الدنيا لم يزل بها حتى يطلع الفجر ، فيقول : ألا سائل يعطى ، ألا داع فيجاب ، ألا مذنب يستغفر فيغفر له ، ألا سقيم يستشفي فيشفى . رواه الطبراني في السنة .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ . أخرجاه في الصحيحين .

وفي رواية عن أبي هريرة ، وأبي سعيد رضي الله عنهما : [ ص: 295 ] أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله يمهل ، حتى إذا كان ثلث الليل ، هبط إلى السماء الدنيا ، فنادى : هل من مذنب يتوب ؟ هل من مستغفر ؟ هل من سائل ؟ . وفي مسند أحمد - رحمه الله تعالى - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم : ينزل الله كل ليلة إذا مضى ثلث الليل الأول ، فيقول : أنا الملك ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له .

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في النزول قد تعددت طرقه في الصحيحين وسائر الأمهات ، وقد ساقه إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد من أكثر من ثلاثين طريقا ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم . وفي رواية عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، وله في كل سماء كرسي ، فإذا نزل إلى سماء الدنيا ، جلس على كرسيه ، ثم مد ساعديه فيقول : من ذا الذي يقرض غير عديم ولا ظلوم ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، من ذا الذي يتوب فأتوب عليه ، فإذا كان عند الصبح ، ارتفع فجلس على كرسيه . رواه ابن منده ، قال : وله أصل مرسل .

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، فيقول جل جلاله : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ . حديث صحيح ، رواه النسائي ، وأبو الوليد الطيالسي .

وعن جابر - رضي الله عنه - أن [ ص: 296 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا لثلث الليل ، فيقول : ألا عبد من عبيدي يدعوني فأستجيب له ؟ أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له ؟ ألا مقتر عليه رزقه ؟ ألا مظلوم يستنصرني فأنصره ؟ ألا عان يدعوني فأفك عنه ؟ فيكون ذلك مكانه حتى يفيء الفجر ، ثم يعلو ربنا - عز وجل - إلى السماء العليا على كرسيه . رواه الدارقطني .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله - تعالى - إذا كان ثلث الليل الآخر ، نزل إلى سماء الدنيا ، ثم بسط يده ، فقال : من يسألني فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر . حديث حسن ، رواه أحمد في مسنده ، ورجاله أئمة .

ورواه أبو معاوية بلفظ : إن الله - تعالى - يفتح أبواب السماء ، ثم يهبط إلى السماء الدنيا ، ثم يبسط يده فيقول : ألا عبد يسألني فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر . وعن رفاعة الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل ، نزل الله إلى سماء الدنيا ، فقال : لا أسأل عن عبادي غيري ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ حتى ينفجر الفجر . حديث صحيح ، رواه أحمد في مسنده .

وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول : هل من داع فأستجيب له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ وأن داود خرج ذات ليلة ، فقال : لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، إلا أن يكون ساحرا أو عشارا . رواه الإمام أحمد بنحوه ، وعن أبي [ ص: 297 ] الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينزل الله - تبارك وتعالى - في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل ، ينظر في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ، ثم ينظر في الساعة الثانية في جنة عدن ، وهي مسكنه الذي يسكن ، لا يكون معه فيها إلا الأنبياء والشهداء والصديقون ، وفيها ما لم ير أحد ، ولم يخطر على قلب بشر ، ثم يهبط في آخر ساعة من الليل يقول : ألا مستغفر فأغفر له ؟ ألا سائل فأعطيه ؟ ألا داع فأستجيب له ؟ . رواه عثمان بن سعيد الدارمي .

وروى موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد ، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : ألا عبد يدعوني فأستجيب له ؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأقبله ؟ فيكون كذلك إلى مطلع الصبح ، ويعلو على كرسيه .

وعن أبي الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال ، وقد سئل عن الوتر : أحب أوتر نصف الليل ، فإن الله يهبط من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من مذنب ؟ هل من مستغفر ؟ هل من داع ؟ حتى إذا طلع الفجر ارتفع . رواه محمد بن سعد في طبقاته . وعن عمرو بن عامر السلمي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ذهب ثلث الليل ، أو قال نصف [ ص: 298 ] الليل ، ينزل الله إلى سماء الدنيا فيقول : هل من عان فأفكه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ . رواه ابن منده .

وعن عبيد بن السباق أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ربنا من آخر الليل ، فينادي مناد في السماء العليا : ألا نزل الخالق العليم ، فيخرج أهل السماء وينادي فيهم مناد بذلك ، فلا يمر بأهل السماء إلا وهم سجود . رواه أبو داود .

وروى أبو اليمان ، ويحيى بن كثير ، وعبد الصمد بن النعمان ، ويزيد بن هارون ، وهذا سياق حديثه ، أخبرنا حريز بن عثمان ، حدثنا سليم بن عامر ، عن عمرو بن عبسة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله جعلني الله فداك ، شيء تعلمه وأجهله ، ينفعني ولا يضرك ، ما ساعة أقرب من ساعة ، وما ساعة تبقى فيها ؟ يعني الصلاة ، فقال : يا عمرو بن عبسة ، لقد سألتني عن شيء ، ما سألني عنه أحد قبلك . إن الرب - تعالى - يتدلى من جوف الليل فيغفر ، إلا ما كان من الشرك والبغي ، والصلاة مشهودة حتى تطلع الشمس ، فإنها تطلع على قرن الشيطان ، وهي صلاة الكفار ، فأقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس ، فإذا استعلت الشمس ، فالصلاة مشهودة حتى يعتدل النهار ، فإذا اعتدل النهار ، فأخر الصلاة ، فإنها حينئذ تسجر جهنم ، فإذا فاء الفيء ، فالصلاة مشهودة حتى تدلى للغروب ، فإنها تغيب بين قرني الشيطان ، فأقصر عن الصلاة حتى تجب الشمس . وهو في مسلم مطولا .

قلت : وهذا في معنى قوله تبارك وتعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) ، ( الإسراء : 77 - 78 ) [ ص: 299 ] ، وفي كتاب السنة للخلال ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا ثلث الليل الأوسط ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ ومن يسألني فأعطيه ؟ ويترك أهل الحقد لحقدهم . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قال : إن الله - عز وجل - ينزل في ثلاث ساعات بقين من الليل ، يفتح الذكر من الساعة الأولى ، لم يره أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ما شاء ، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن التي لم ترها عين ، ولم تخطر على قلب بشر ، ولا يسكنها من بني آدم غير ثلاثة : النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، ثم يقول : طوبى لمن دخلك ، ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته ، فينتفض فيقول : قيومي بعزتي ، ثم يطلع إلى عباده فيقول : هل من مستغفر أغفر له ؟ هل من داع أجيبه ؟ حتى تكون صلاة الفجر .

وكذلكم يقول : (
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ، فيشهده الله وملائكة الليل والنهار
. رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ، وقد تقدم قريبا بغير هذا اللفظ . وله عن القاسم بن محمد ، عن أبيه أو عمه ، عن جده ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ينزل الله - تعالى - ليلة النصف ، فيغفر للمؤمنين . الحديث .

رواه ابن زنجويه . وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان ليلة النصف من شعبان ، هبط الله - تعالى - إلى سماء الدنيا ، فيغفر لأهل الأرض إلا لكافر أو مشاحن . رواه محمد بن الفضل البخاري . وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله [ ص: 300 ] عنه - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في النصف من شعبان ، فيغفر لأهل الأرض إلا لكافر أو مشاحن . قلت : ولا منافاة بين أحاديث تخصيص النزول بليلة النصف من شعبان ، وبين الأحاديث القاضية أنه كل ليلة ، فإن النزول في ليلة النصف من شعبان مطلق ، والنزول في كل ليلة مقيد بالنصف في لفظ ، وبالثلث في آخر ، على أنه ليس في تخصيص النزول بنصف شعبان نفي له فيما عداها ، والأحاديث التي فيها النزول كل ليلة أكثر وأشهر ، وأصح بلا شك ولا مرية .

وقد ثبت النزول أيضا في عشية عرفة كما روى ابن أبي حاتم من حديث أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان عرفة ، فإن الله ينزل إلى سماء الدنيا ، فيباهي بهم الملائكة ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا ، أشهدكم أني قد غفرت لهم .

ورواه الخلال في السنة من حديث أبي النضر ، عن أيوب ، عن أبي الزبير ، عنه يرفعه : أفضل أيام الدنيا أيام العشر . قالوا : يا رسول الله ، ولا مثلهن في سبيل الله ؟ قال : إلا من عفر وجهه في التراب ، إن عشية عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا ، فيقول للملائكة : انظروا إلى عبادي هؤلاء شعثا غبرا ، جاءوا من كل فج عميق ضاحين ، يسألوني رحمتي ، فلا يرى يوما أكثر عتيقا ولا عتيقة .

وروى خلاد بن يحيى ، حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كنت جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجلان : أحدهما أنصاري ، والآخر ثقفي ، فذكر الحديث . وفيه : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، فيقول للملائكة : هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم . رواه طلحة بن مصرف ، عن مجاهد به . وقد [ ص: 301 ] روي النزول في رمضان ، وليس هو نافيا له في غيره ، فروى علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن طارق ، عن سعيد بن جبير سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول : إن الله - تبارك وتعالى - ينزل في شهر رمضان ، إذا ذهب الثلث الأول من الليل ، هبط إلى السماء الدنيا ، ثم قال : هل من سائل يعطى ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ هل من تائب يتاب عليه ؟ .

وروى عبيد الله بن موسى : قال ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ، ( إبراهيم : 27 ) قال : ينزل الله إلى السماء الدنيا في شهر رمضان ، يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء غير الشقاوة والسعادة والموت والحياة .

وإسناده حسن ، وهذا الموقوف له حكم المرفوع عند المحدثين ; لأنه لا يقال من قبل الرأي ، وقد ثبت النزول لفصل القضاء وللتجلي لأهل الجنة ، كما ستأتي الأحاديث إن شاء الله - تعالى - في ذلك .

ونحن نشهد شهادة مقر بلسانه ، مصدق بقلبه ، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب - جل وعلا - من غير أن نصف الكيفية ; لأن نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لم يصف كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا ، وأعلمنا أنه ينزل ، والله - جل وعلا - لم يترك ولا نبيه - صلى الله عليه وسلم - بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم ، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول ، كما يشاء ربنا ، وعلى ما يليق بجلاله وعظمته - عز وجل - غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية ، إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصف لنا كيفية النزول ، فنسير بسير النصوص حيث سارت ، ونقف معها حيث وقفت ، لا نعدوها إن شاء الله - تعالى - ولا نقصر عنها ، وقد تكلفت جماعة من مثبتي [ ص: 302 ] المتكلمين ، فخاضوا في معنى ذلك ، وفي ذلك الانتقال وعدمه ، وفي خلو العرش منه وعدمه نفيا وإثباتا ، وذلك تكلف منهم ، ودخول فيما لا يعنيهم ، وهو ضرب من التكييف ، لم يأت في لفظ النصوص ، ولم يسأل الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء من ذلك حين حدثهم بالنزول ، فنحن نؤمن بذلك نصدق به كما آمنوا وصدقوا ، فإن قال لنا متعنت أو متنطع : يلزم من إثبات كذا كيت وكيت في أي شيء من صفات الله ، قلنا له : أنت لا تلزمنا نحن فيما تدعيه ، وإنما تلزم قائل ذلك ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فإن كان ذلك لازما لما قاله حقيقة ، وجب الإيمان به ، إذ لازم الحق حق ، وإن لم يك ذلك لازما له ، فأنت معترض على النبي صلى الله عليه وسلم ، كاذب عليه متقدم بين يديه .

وروى البيهقي ، عن الحاكم ، عن محمد بن صالح بن هانئ ، سمع أحمد بن سلمة ، سمعت إسحاق بن راهويه يقول : جمعني وهذا المبتدع - يعني : إبراهيم بن أبي صالح - مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها ، فقال ابن أبي صالح : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء . فقلت : آمنت برب يفعل ما يشاء .

وقال إسحاق رحمه الله تعالى : دخلت على ابن طاهر ، فقال : ما هذه الأحاديث ، يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ؟ قلت : نعم ، رواها الثقات الذين يروون الأحكام . فقال : ينزل ، ويدع عرشه ؟ فقلت : يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش ؟ قال : نعم . فقلت : فلم تتكلم في هذا ؟ وقال إسحاق أيضا : قال لي ابن طاهر : يا أبا يعقوب ، هذا الذي تروونه ، ينزل ربنا كل ليلة كيف ينزل ؟ قلت : أعز الله الأمير ، لا كيف ، إنما ينزل بلا كيف . وقال أحمد بن سعيد الرباطي : حضرت مجلس ابن طاهر ، وحضر إسحاق فسئل عن حديث النزول أصحيح هو ؟ قال : نعم . فقال له بعض القواد : كيف ينزل ؟ فقال : أثبته فوق حتى أصف لك النزول ؟ فقال الرجل : أثبته فوق ؟ فقال إسحاق : قال الله تعالى : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) ، ( الفجر : 22 ) فقال ابن طاهر : هذا يا أبا [ ص: 303 ] يعقوب يوم القيامة . فقال : ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم ؟ ا هـ من كتاب العلو .

وهذا الذي قاله إسحاق - رحمه الله تعالى - هو الذي عليه عامة أهل السنة والجماعة ، كما قدمنا عنهم في جميع نصوص الصفات ، وأن مذهبهم إمرارها كما جاءت ، والإيمان بها بلا كيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية