معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

صفحة جزء
ذكر أقوال التابعين - رحمهم الله تعالى - في ذلك .

قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وكعب - رحمهم الله تعالى : الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل . وكتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - إلى بعض عماله : أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله - عز وجل - ولزوم طاعته ، والتمسك بأمره ، والمعاهدة على ما حملك الله من دينه ، واستحفظك من كتابه ، فإن بتقوى الله - عز وجل - ولزوم طاعته ، نجا أولياؤه من سخطه ، وبها وافقوا أنبياءه ، وبها نضرت [ ص: 338 ] وجوههم ، ونظروا إلى خالقهم ، وهي عصمة في الدنيا من الفتن ، ومن كرب يوم القيامة .

وقال الحسن رحمه الله تعالى : لو علم العابدون في الدين أنهم لا يرون ربهم في الآخرة ، لذابت أنفسهم في الدنيا . وقال الأعمش ، وسعيد بن جبير - رحمهما الله : إن أشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله - تبارك وتعالى - غدوة وعشية . وقال كعب رحمه الله تعالى : ما نظر الله - عز وجل - إلى الجنة قط إلا قال : طيبي لأهلك ، فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها ، وما من يوم كان لهم عيد في الدنيا إلا ويخرجون في مقداره في رياض الجنة ، فيبرز لهم الرب - تبارك وتعالى - فينظرون إليه ، وتسفي عليهم الريح المسك ، ولا يسألون الرب - تبارك وتعالى - شيئا إلا أعطاهم حتى يرجعوا ، وقد ازدادوا على ما كانوا من الحسن والجمال سبعين ضعفا ، ثم يرجعون إلى أزواجهم وقد ازددن مثل ذلك .

وقال هشام بن حسان : إن الله - سبحانه وتعالى - يتجلى لأهل الجنة ، فإذا رآه أهل الجنة ، نسوا نعيم الجنة . وقال طاوس : أصحاب المراء والمقاييس لا يزال بهم المراء والمقاييس حتى يجحدوا الرؤية ، ويخالفوا أهل السنة . وقال شريك عن أبي إسحاق السبيعي : الزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى .

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه تلا هذه الآية ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، أعطوا فيها ما سألوا وما شاءوا ، فيقول الله - عز وجل - لهم : إنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه ، فيتجلى لهم - تبارك وتعالى - فلا يكون ما أعطوه عند ذلك بشيء ، فالحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه ربهم تبارك وتعالى : ( ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ) ، ( يونس : 26 ) بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى .

وقال علي بن المديني : سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ) ، ( الكهف : 110 ) قال عبد الله : من أراد النظر إلى وجه الله خالقه ، فليعمل عملا صالحا ولا يخبر به أحدا . وقال نعيم بن حماد : سمعت ابن المبارك يقول : ما حجب الله - عز وجل - أحدا عنه إلا عذبه ، ثم قرأ : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) ، ( المطففين : 15 ) [ ص: 339 ] قال : بالرؤية .

وقال عباد بن العوام : قدم علينا شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة ، فقلت : يا أبا عبد الله ، إن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث : " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا " ، " وإن أهل الجنة يرون ربهم " ، فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا ، وقال : أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم عمن أخذوا ؟ وقال عقبة بن قبيصة : أتينا أبا نعيم يوما ، فنزل إلينا من الدرجة التي في داره ، فجلس وسطها كأنه مغضب ، فقال : حدثنا سفيان بن سعيد ، ومنذر الثوري ، وزهير بن معاوية ، وحدثنا حسن بن صالح بن حي ، وحدثنا شريك بن عبد الله النخعي ، هؤلاء أبناء المهاجرين يحدثوننا ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تبارك وتعالى - يرى في الآخرة ، حتى جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله - تعالى - لا يرى ( يعني بشرا المريسي ، قبحه الله ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية