صفحة جزء
( وقوله صلى الله عليه وسلم : لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن التائب من أحدكم براحلته متفق عليه ) .


ش قوله : ( لله أشد فرحا . . ) إلخ ؛ تتمة هذا الحديث ؛ كما في البخاري وغيره : لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فنزل عنها ، فنام وراحلته عند رأسه ، فاستيقظ وقد ذهبت ، فذهب في طلبها ، فلم يقدر عليها ، حتى أدركه [ ص: 200 ] الموت من العطش ، فقال : والله لأرجعن فلأموتن حيث كان رحلي ، فرجع ، فنام ، فاستيقظ ، فإذا راحلته عند رأسه ، فقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح .

وفي هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عز وجل ، والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات : أنه صفة حقيقة لله عز وجل ، على ما يليق به ، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته ، فيحدث له هذا المعنى المعبر عنه بالفرح عندما يحدث عبده التوبة والإنابة إليه ، وهو مستلزم لرضاه عن عبده التائب ، وقبوله توبته .

وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع ؛ فقد يكون فرح خفة وسرور وطرب ، وقد يكون فرح أشر وبطر ؛ فالله عز وجل منزه عن ذلك كله ، ففرحه لا يشبه فرح أحد من خلقه ، لا في ذاته ، ولا في أسبابه ، ولا في غاياته ، فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرضوا لها ، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين .

وأما تفسير الفرح بلازمه ، وهو الرضا ، وتفسير الرضا بإرادة الثواب ؛ فكل ذلك نفي وتعطيل لفرحه ورضاه سبحانه ، أوجبه سوء ظن هؤلاء المعطلة بربهم ، حيث توهموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق ، تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية